التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
١٤٢
-الأنعام

خواطر محمد متولي الشعراوي

وبعد أن تكلم سبحانه عن نعمه علينا في الزراعة ونعمه علينا في الماشية قال: { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ } وهي الإبل والبقر والغنم، { حَمُولَةً } والحمولة هي التي تحمل، فيقال: "فلان حَمول" أي يتحمل كثيراً. والحق يقول: { { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } [النحل: 7].
والذي تحمله فوق ظهرها يسمى "حُمُولة". ولذلك نقول عن السيارة التي تنتقل "حُمُولة كذا طن". "ومن الأنعام حمولة وفرشاً".
والإبل نحمل عليها الرحال، وكل متطلباتنا، و"فرشا" معناها: مقابل الحمولة. فالحمولة هي المشتدة التي تقوى على أن تحمل. كل ما لا يستطيع الحمل لصغره، أو لأنه لم يعد لذلك، إذا ما نظرت إليه نظرة سطحية تجده وكأنه فارش للأرض. أو "من الأنعام حمولة"؛ وهي التي تحمل متاعكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس. "وفرشا" أي ومن الأنعام ما تتخذون منه فرشاً بأن ننسج من وبره وصوفه وشعره ما نفرشه.
{ وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [الأنعام: 142].
وفي الحديث عن الأنعام، جاء بالحمولة والفرش ويأتي أيضاً بسيرة الأكل؛ لأننا نأكل لحمها وألبانها ومشتقات الألبان كلها، وهكذا تتعدد المنافع، فهي تحملنا ونأخذ من أصوافها وأوبارها وشعورها الفرش، والوبر وهو شعر الجمال، والصوف وهو شعر الغنم، وشعر الماعز يتميز بلمعة وانفصالية بين شعيراته.
ونلحظ أنه سبحانه قال في الآية الأولى: "كلوا" وفي الثانية: "كلوا"؛ لأن ذلك جاء بعد الكلام عما حرموه على أنفسهم من أرزاق الله في الأرض. فكان ولا بد أن يؤكد هذا المعنى، ويوضح: إن الذي خلق هو الله، والذي كلّف هو الله، فلا تأخذوا تحليلاً لشيء ولا تحريماً لشيء إلا ممن خلق وممن كلف. { كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }.
الشيطان هو الذي يوسوس لهم بالمخالفة لمنهج الله، وعداوة الشيطان ظاهرة. فإذا ما كانت العداوة سابقة، فقد أنزل آدم وحواء من رتبة الطاعة إلى رتبة المعصية وجرأهما على المخالفة فخرجا من الجنة، كان من الواجب أن نحتاطُ في قبول هذه الوسوسة.
ثم يفصل الحق لنا الأنعام التي نتخذها حمولة، أو نأخذ منها فرشاً فقال:
{ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ... }.