التفاسير

< >
عرض

بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
٢٨
-الأنعام

خواطر محمد متولي الشعراوي

إنهم يطلبون العودة إلى الدنيا لا لينفذوا الوعد في طلبهم المستحيل؛ لأنهم سيفعلون مثلما فعلوا من قبل، كفراً ونكراناً وجحوداً. إنهم لجأوا إلى هذا القول من فرط الخوف مما أعده الله لهم. بعد أن ظهر لهم كل ما كانوا يفعلونه في الدنيا من كفر وجحود. ويقال عن يوم القيامة "يوم الفاضحة"؛ لأن كل إنسان سيجد كتابه في عنقه، ويقال له: { { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [الإسراء: 14].
فإذا كنا في الدنيا نسجل الأحداث بالصوت والصورة فما بالنا بتسجيل الحق لنا؟ ويرى الإنسان مَكْرَه يوم القيامة بالصوت والصورة، وكل فعل فعله سيراه بطريقة لا يمكن معها أن ينكره، وكأن الحق يوضح لكل عبد: أنا لن أحاسبك بل سأترك لك أن تحاسب نفسك. ويفاجأ الإنسان أن جوارحه تنطق لتشهد عليه: الأيدي تنطق بما فعل، واللسان ينطق بما قال، والقدم تحكي إلى أين ذهب بها صاحبها، فهذه الجوارح التي كانت تنفعل لمراد صاحبها في الدنيا، يختلف موقفها في الآخرة ولا تنفذ في اليوم الآخر مراد الإنسان بل مراد من أعطى الإنسان المراد.
{ { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16].
مثال ذلك - ولله المثل الأعلى - نجد السرية أو الكتيبة المقاتلة لها قائد يحكم الجنود، فإن أعطاهم أوامر خاطئة فهم ينفذونها، وبعد انتهاء المعركة يسألهم القائد الأعلى، فيقولون سلسلة الأوامر الخاطئة التي أصدرها قائدهم المباشر.
فإياك أن تظن أيها الإنسان أن أبعاضك مؤتمرة بقدرتك عليها دائما، إن سيطرتك عليها أمر منحك الله إياه، ويسلبه منك متى شاء في الدنيا. ويأتي يوم القيامة لتنتهي سيطرتك على الأبعاض. وأنت ترى في الدنيا بعضاً من صور سلب السيطرة على الأبعاض لتتذكر قدرة الواهب الأعلى؛ فأنت ترى من لا يرى، وترى من فقد السيطرة على جارحة أو أكثر من جوارحه، وذلك تنبيه من الله على أن سيطرة الإنسان على الجوارح إنما هي أمر موهوب من الله. وقول الحق سبحانه عن الكافرين: { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } يفضح تدليسهم في الحياة الدنيا، ثم يجيب الله على تمنيهم السابق المليء بالذلة والمسكنة، التمني بالعودة إلى الدنيا، فيقول سبحانه: { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.
فهم كاذبون في الوعد بأن يؤمنوا لو عادوا إلى الدنيا، يوضح ذلك قول الحق سبحانه:
{ وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ... }.