التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
١٧٤
-الأعراف

خواطر محمد متولي الشعراوي

والآيات التي فصلها الحق هنا هي العهود الخاصة، ورفع الجبل ليأخذوا التوراة بقوة، وكذلك العهد العام الذي اشترك فيه كل الخلق من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة، وجاء سبحانه بكل ذلك ليؤكد لهم أن قضية الإيمان عقيدةٌ يجب أن تكون في بؤرة الشعور، فمن غفل فليتذكر، ومن قلد أباه في شيء مخالف للمنهج القويم، فليرجع عن هذا التقليد؛ لأن التكاليف الإيمانية تكاليف ذاتية، وسبحانه لا يكلفك وأنت في حاجة إلى أبيك، أو إلى أمك. لكنه يكلفك من بعد البلوغ؛ لأنك بعد البلوغ تستقل بذاتيتك استقلالا كاملا مثل والدك، وما دمت مكتمل الرجولة كوالدك وصالحا للإنجاب فلا ولاية إيمانية لأبيك عليك أبداً، فلا تقل إنني أقلد أبي ولو كان على غير المنهج السليم؛ لأن مثل هذا القول يمكن أن يكون مقبولاً لو كان التكليف للإنسان وهو في دور الطفولة، حيث الأب يسعى لإطعام أبنائه ورعايتهم، لكن التكليف لا يأتي للإنسان إلا بعد البلوغ، ومعنى بعد البلوغ: أنك صالح لإنجاب مثلك ورعاية نفسك.
ولذلك يطلب الحق سبحانه وتعالى من الآباء أن يدربوا أبناءهم ويعودوهم على مطلوبات التكليف قبل مجيء أوان تكليف الله، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام:
"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم على تركها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع .. إلخ"
الأب إذن يأمرُ ويُعاقِبُ قبل أوان التكليف ليتدرب الأبناء عليه ويصير دربة سهلة لا يتعب منها الإنسَان بعد البلوغ.
{ وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الأعراف: 174].
أي أن على الغافل أن يرجع عن غفلته فيتذكر، وأن يرجع المقلد لآبائه عن التقليد، ويقتنع اقتناعاً، مصداقاً لقوله الحق:
{ { لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } [لقمان: 33].
ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك:
{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ... }.