التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ
٤٩
-التوبة

خواطر محمد متولي الشعراوي

هؤلاء هم الذين استأذنوا رسول الله في عدم الخروج للجهاد، ومنهم من قال هذه العبارة: لا تفتني بعدم إعطاء الإذن، ولكن ما موضوع الفتنة؟ هل هو عذاب، أم سوء، أم شرك وكفر - والعياذ بالله -؟ إن كل ذلك - وغيره - تجوز فيه الفتنة. والقول: { ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي } ظاهره أنه أمر، ولكنه هنا ليس أمراً؛ لأن الأمر إذا جاء من الأدنى للأعلى فلا يقال إنه أمر، بل هو دعاء أو رجاء، وإن جاء من المساوى يقال: "مساو له"، أما إن جاء من الأعلى إلى الأدنى؛ فهذا هو ما يقال له أمر، وكلها طلب للفعل.
وكان الجد بن قيس - وهو من الأنصار - قد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ائذن لي ولا تفتني؛ لأن رسول الله إن لم يأذن له فسيقع في فتنة مخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إن هذا الأنصاري لم يكن له جَلَدٌ على الحرب وشدائدها. وقيل: إنه كان على وَلَع بحب النساء وسمع عن جمال بنات الروم، وخشي أن يُفتنَ بِهنَّ، خصوصاً أن المعركة ستدور على أرض الروم. ومن المتوقع أن يحصل المقاتلون على سبايا من بنات الروم.
وقوله تعالى: { ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي } أوقعه في الفتنة فعلاً؛ لذاك جاء قول الحق: { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ }. وكان هذا الأنصاري سميناً، وشكا من عدم قدرته على السفر الطويل والحر، فجاء الرد: إن كنتم من الحر والبرد تفرُّون فالنار أحقُّ بالفرار منها؛ ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى: { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ }.
وفي آية أخرى قال سبحانه:
{ { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } إذن: فجحيم النار أشد قسوة وحرارة من نار القتال، وحر الدنيا مهما اشتد أهون بكثير من نار الآخرة وهي تحيط بالكافرين.
ويقول الحق بعد ذلك:
{ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ... }.