التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ
١٧٧
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٧٨
-البقرة

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } مُنْحَصِراً في، { أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ }:في صلاتِكُم، { قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ }: للنَّصَارى، { وَٱلْمَغْرِبِ }: لليهود بحسب أفق مكة، { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ }: بِرُّ، { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }: فلا يفتري عليه، حاصله أمر الصلاة بعد الإيمان، { وَٱلْمَلاۤئِكَةِ }: فلا يعادي أحدهم، { وَٱلْكِتَابِ }: فلا يحرفه، { وَٱلنَّبِيِّينَ }: فلا يفرق بينهم، { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ }: مع، { حُبِّهِ }: المال أو الإيتاء أو على حُبِّ الله { ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ }: قراباته، { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ }: مر بيانه، { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ }: مسافر أنقطع عنه ما يوصله إلى مسكنه، والضيف إذِ السبيلُ يأتي به، { وَٱلسَّآئِلِينَ }: المضطرين إلى السؤال، { وَفِي }: فك { ٱلرِّقَابِ }: كالمكاتب والأسير، وإذا بمسلم حاجة وجب بعد أداء الزكاة صرف المال إليها بالإجماع، { وَأَقَامَ ٱلصَّلٰوةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } الواجبة، والأول كان لبيان مصارفها أو المندوبة، { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ }: غَيَّرَ الأُسْلُوب؛ لأن الأول لبيان ما لا يستفاد إلا من الشرع، والثاني: لما يقتضيه العقل { وَٱلصَّابِرِينَ }: نصب مدحا لمزيد شرف الصبر، { فِي ٱلْبَأْسَآءِ }: الفقر { وٱلضَّرَّآءِ }: المصائب والسقم { وَحِينَ ٱلْبَأْسِ }: قتال الكفار: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } في إيمانهم، { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } الآية جامعة لمجامع الكمالات الإنسانية، وهي: صحَّة الاعتقاد، وحسنُ المُعَاشرة، وتهذيب النفس، واعلم أنه "سأل أبو ذَرٍّ - رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البر فتَلَا عليه الآية، وسأله عنه وابِصَةُ فقال ما اطْمأَن إلَيْه القَلْبُ واطْمَأَنّتْ إليه النفس" لأنَّ الأَوّلَ عن ذات البر، والثاني عن تحريه.
ولمَّا تقاتل حَيَّان في الجاهليَّة، وحلَفَ أحدهُمَا بأن يقتل بعبدهم الحُر، وبامرأتهم الرجل، وبواحدهم الأثنين، ثم ترافعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، نزل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ }: فُرِضَ، { عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ }: المماثلة، { فِي ٱلْقَتْلَى }: أي: أوجبنا على الجاني تمكينه منه، { ٱلْحُرُّ }: يُقْتَلُ، { بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ }: لا تدل على أن لا يقتل الحر بالعبد، والذكر بالأنثى، ولا على عكسه، إذ المفهوم إنما يعتبر حيث لا يظهر للتخصيص سوى اختصاص الحكم وإنما منع مالك والشافعي رضي الله تعالى عنهما -قتل الحر بالعبد لحديث علي، وعمل الشيخين -رضي الله عنهم-، قياسا على الأطراف، وأما منع قتل المسلم بالذمي فلحديث عليّ -رضي الله تعالى عنه-، والآية لا تنْسَخُها: "النفس بالنفس" إلى أخره، لأنه حكاية ما في التوراة، { فَمَنْ }: بقاتل، { عُفِيَ لَهُ مِنْ }: دم، { أَخِيهِ }: المقتول، { شَيْءٌ }: من العفو، كَأَن عَفى عن بعض القصاص أو عَفَى بَعْضُ الورثة، والمرادُ هنا: العفو على الدية، والراجح في مذهب الشافعي أن الواجبَ القصاصُ، والدية بدل عنه، { فَٱتِّبَاعٌ }: أي: فعلى العافي اتباع في طلب الدية بدل عنه، { بِٱلْمَعْرُوفِ }: وعلى المعفوِّ عنه { وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ }: بلا مطل، { ذٰلِكَ }: التجويز لأخد الدية، { تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ }: بالقتل، { بَعْدَ ذٰلِكَ }: العفو، { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }: في الدارين.