التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٣١
وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ
٣٢
إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
٣٣
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ
٣٤
وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ
٣٥
فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٣٦
وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ
٣٧
وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣٨
وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ
٣٩
وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٤٠
وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ
٤١
إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤٢
وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ
٤٣
وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ
٤٤
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ
٤٥
وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ
٤٦
ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ
٤٧
فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ
٤٨
لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ
٤٩
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
٥٠
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ
٥١
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٥٢
صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ
٥٣
-الشورى

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

{ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ }: فائتين الله { فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ * وَمِنْ آيَاتِهِ }: السفن { ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ }: والسفن { كَٱلأَعْلاَمِ }: كالجبال عظما { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ }: يصرن { رَوَاكِدَ }: ثوابت { عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ }: على الشدائد { شَكُورٍ }: عند الرخاء، أي: المؤمن الكامل ذا "الإيمان نصفان: نصفٌ صَبرٌ ونِصفٌ شُكرٌ" { أَوْ يُوبِقْهُنَّ }: يهلك أهلهن بإغراقهم بنحو عصف { بِمَا كَسَبُوا }: إن يشأ { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ }: فلا يسكن ريحهم ولا يوبقهم، والإسكان والإهلاك لينتقم منهم { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ }: وبرفع "يعلم" ظاهر { فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ }: مفر من العذاب { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ }: من المال { فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }: تتمتعون بها حياتكم { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ }: من الثواب { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ }: ما فيه وعيد شديد { وَٱلْفَوَاحِشَ }: ما تزايد قبحه، تخصيص بعد تعميم { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ }: يتجاوزون { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ }: بطاعته كالأنصار { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ }: ذو { شُورَىٰ }: تشاور { بَيْنَهُمْ }: والشورى: العرض، أي: لا يبرمون أمرا حتى يشاوروا { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ }: الظلم { هُمْ يَنتَصِرُونَ }: بقدر مشروع، أي: يعفون في محله، وينتقمون في محله { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا }: سماها بها ازدواجا وتحريضا على العفو { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ }: بينه وبين عدوه { فَأَجْرُهُ }: لازم { عَلَى ٱللَّهِ }: أُبْهمَ تعظيما { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ }: المتجاوزين في الانتقام { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ }: ظلم الظالم إياه { فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ }: بالمعاقبة { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ }: بها { عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ }: يفسدون { فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ }: أما بالحق كتخريب ديار الكفرة فلا يضر { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ }: على الأذى { وَغَفَرَ }: عنه { إِنَّ ذَلِكَ }: منه { لَمِنْ عَزْمِ }: معزوم { ٱلأُمُورِ }: مطلوبها { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ }: بعد إضلاله إياه { وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ }: في القيامة { يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ }: رجعة إلى الدنيا { مِّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا }: على النار الدال عليها العذاب { خَاشِعِينَ }: خاضعين { مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ }: إلى النار { مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ }: مسارقة، إذ لا يقدرون على فتح أجفانهم عليها كراهة { وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ }: حينئذ { إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ }: بالضلالة { وَأَهْلِيهِمْ }: بإضلال كما مرَّ { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }: قال تعالى: { أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ }: دائم { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ }: إلى الهدى { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ }: بطاعته { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ }: لا ردَّ { لَهُ مِنَ ٱللَّهِ }: قبله بعدما أتى به { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ }: إنكار لذنوبكم { فَإِنْ أَعْرَضُواْ }: عن الإجابة { فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }: لأعمالهم { إِنْ }: ما { عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ }: نسخ بآية القتال { وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ }: جنسه { مِنَّا رَحْمَةً }: كصحة وغنى { فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ }: بلاء { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ }:من المعاصي { فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ }: أفاد بالاظهار أن هذا الجنس موسوم بالكفران وبإذا، و"إنْ" تحقق النعمة؛ لأنها تقتضيه بالذات بخلاف البلاء { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً }: قدمها على الذكور؛ لأنها أكثر لتكثير النسل، وللوصية برعايتهن، ثم تدارك تأخيرهم بالتعريف بقوله: { وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً }: ترك المشيئة فيه لرجوعه إلى الأولين، أفاد بتأخيرهن أن تقديمهن أولا، لم يكن لتقدمهن بل لمقتض آخر، وقيل: الأولان في المنفرد منهما والثالث في التوأمين { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً }: لا يلد { إِنَّهُ عَلِيمٌ }: بخلقه { قَدِيرٌ }: على ما يشاء { وَمَا كَانَ }: ما صح { لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً }: أي: كلا ما خفيا يدركه بسرعة مشافهة أو مهتفا به في اليقظة، كقصة المعراج، وإلقاء الزبور في صدر داود أو في المنام كرؤيا إبراهيم، والمراد هنا المشافهة بقرنية { أَوْ }: إلا كلاما { مِن وَرَآءِ حِجَابٍ }: يسمع كلامه ولا يراه كموسى عليه الصلاة والسلام { أَوْ }: إلا أن { يُرْسِلَ رَسُولاً }: ملكا { فَيُوحِيَ }: الملك { بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ }: تعالى { إِنَّهُ عَلِيٌّ }: عن مماثلة الخلق { حَكِيمٌ }: في أفعاله { وَكَذَلِكَ }: الإيحاء { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ }: يا محمد { رُوحاً }: وحيا يحيى القلوب أو جبريل { مِّنْ أَمْرِنَا }: الموحى إليك { مَا كُنتَ تَدْرِي }: قَبْلُ { مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ }: أي: شرايعه، إذ الأنبياء كانوا مؤمنين قبل الوحي، وهو صلى الله عليه وسلم كان على دين إبراهيم كما مرَّ { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ }: الروح أو الكتاب أو الإيمان { نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }: الإسلام { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }: خلقا وملكا { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ }: ترجع { ٱلأُمُورُ }: بارتفاع الوسائط والتعليقات.