التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
٤
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
٦
وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ
٧
فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٨
وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٩
إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
١١
-الحجرات

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

لَمَّا أثنى على الصَّحابة وبين علوهم، نهاهم عمَّا يوجب انحطاطهم فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ (*) يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ }: أمْراً، ولا تتقدموا قولا فعلا { بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }: أي: قبل إذنهما { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ }: لقولكم { عَلِيمٌ }: بفعلكم، نزلت في صوم يوم الشك أو النحر قبل الصلاة، أو تنازع الشيخين في حضرته صلى الله عليه وسلم { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ }: في المكاملة { فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ }: كراهة { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ } إذ في الجهر استخفاف يؤدي إلى الكفر المُحْبط وهو مجاز عن انحطاط المنزلة { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }: بحبطها { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ }: يخْفِضون { أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ }: كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما بعد نزولها { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ }: أخلص { ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ }: تخليص الذهب عن الخبث وعن عمر رضي الله عنه: أذهب الشبهات عنها { لِلتَّقْوَىٰ }: لإظهار تقواهم { لَهُم مَّغْفِرَةٌ }: عظيمةٌ { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ }: خارج { ٱلْحُجُرَاتِ }: التي لنسائه عليه الصلاة والسلام كعُيَيْنة، والأقرع التميْمِيّيْن { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }: إذ العقل يقتضي الأدب { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ }: أي: لو ثبت صبرهم { حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ }: الصبر { خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }: لمن تاب { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ }: كالوليد بن عتبة، أرسله عليه الصلاة ولاسلام لأخذ زكاة بني المُصْطلق فاستقبلوه فخافهم لعداوتهم في الجاهلية ورجع وقال: منعوها فهمَّ عليه الصلاة والسلام بعزوهم، فجاءوا منكرين ذلك { فَتَبَيَّنُوۤاْ }: تفحصوا صدقة كراهة { أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا }: بُرَآء { بِجَهَالَةٍ }: جاهلين بهم { فَتُصْبِحُواْ } تصيروا { عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }: أفاد بترتيب الحكم على الفسق، جواز قبول خبر عدل واحد { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ }: على حاله { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ }: كما أشار بعضكم بإيقاعه ببني المصطلق { لَعَنِتُّمْ }: لوَقَعتهم في إثم وجهد، أفهم أنه عليه الصلاة والسلام قد يوافقهم، ويعضده: { وَشَاوِرْهُمْ ... } [آل عمران: 159] إلى آخره { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ }: الكبائر { وَٱلْعِصْيَانَ }: الصغائر، وهذه الكرامة حملتكم على أمره بالإيقاع بهم لما سمعتم قول الوليد، وذه الثلاثة في مقابلة الإيمان الكامل { أُوْلَـٰئِكَ }: المستثنون { هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ }: إلى الطريق { فَضْلاً } تعليل لكره و"حبب" { مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ }: بخلقه { حَكِيمٌ }: في فعله { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ }: كالأوس والخرزج حين أساء ابن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأفاد بإنْ، أنه ينبغي قِلَّته بينهم { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا }: بالنصح والدعاء إلى الشرع، جمع للمعني، وثنى للفظ { فَإِن بَغَتْ }: تعدت { إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ }: ترجع { إِلَىٰ أَمْرِ }: حكم { ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ }: قيد به؛ لأنه مظنة الحيف؛ لكونه بعد المقاتلة { وَأَقْسِطُوۤاْ }: اعدلوا { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }: دينا { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }: المتنازعين، خصَّ الاثنين؛ لأنهما أقل المتقابلين ولنزوله في الأوس والخزرج وإيثار الأخوة الغالبة في النسب على الإخوان الغالبة في الصَّداقة للتأكيد { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }: أفادت الآيتان بقاء اسم الإيمان مع البغي { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }: بعد أن عرفتهم أُخْوَّتكم { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ }: كوفد بني تميم { مِّن قَوْمٍ }: كفقراء المسلمين { عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ }: عند الله تعالى، والقوم للرجال إلاَّ في التغليب، وخصَّ الجمع؛ لأن السخرية منهم غالبا { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ }: تعيبوا { أَنفُسَكُمْ }: بعضكم بعضا، واللَّمر: الطعن باللسان، أو لا تفعوا ما تستخفونه { وَلاَ تَنَابَزُواْ }: لا يدعوا بعضكم بعضا يما يكرهه، والنَّبْرُ عرفا: سوء اللقب { بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ }: الصفة { ٱلْفُسُوقُ }: من السخرية واللمز والنبز { بَعْدَ ٱلإَيمَانِ }: فإنه يأباها أو أراد تهجين نسبة الفسق إلى المؤمن { وَمَن لَّمْ يَتُبْ }: عنه { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }: ذكر ثلاثة أوصاف كل دون الآخر، إذ السخرية: الاستصغار، ثم اللّمْز الذي هو ذكره بعيب فيه، ثم فيه غيبته ثم النبز الذي هو مجرد تسميته.