الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
{وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ} لعيسى حين رُفِع أو في القيامة والماضي للتقريب، {يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ} وقيّدَ {دُونِ}؛ لأن عبادته مع عبادة غيره كلا عبادة، أو {دُونِ} للقاصر عن الشيء إذ هم عبدوهما توصلا بهما إلى عبادته فلا يرد أنهما اتخذوهما إلهين لا دونه كسؤال الموؤدة: { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } [التكوير: 9] توبيخاً لهم، أو لإعلامهم كيلا يشفع لهم، {قَالَ سُبْحَانَكَ} تنزيهاً لهم، لك من الشريك، {مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا}: أي: قولا، {لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا}: أخفيه، {فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا}: تخفيه، {فِي نَفْسِكَ}: مشاكلة، أو النفس الذات، لا الجوهر القائم بذاته المتعلق بالجسم تعلق التدبير، {إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ}: أنكره بخمسة وجوه، خامسها: {مَا قُلْتُ لَهُمْ} أي: في أمر التوحيد، {إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ}: إذا الأمر أعم مما للوجوب أو الإباحة {أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً}: مُشاهدا لأحوالهم، {مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي}: أخذتني وافياً بالرَّفع إلى السماء، {كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}: المراقب لأحوالهم، {وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}: مطلع، {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}: تسخيرا وقَهْراً، وللمالك أن يتصرف في عبيده كيف يشاء، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ}: مع كفرهم بلا عَجْزٍ ولا استقباح، {فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ}: الغالب، {ٱلْحَكِيمُ}: في الثواب والعقاب، دَلَّ بالترديد والتعليق بأن على جواز مغفرة الشرك وهي غير ممتنعة؛ لأن عدمها يقتضي الوعيد {قَالَ ٱللَّهُ}: مجيبا له في تبريه: {هَـٰذَا يَوْمُ}: أي: يوم القيامة، وبالنَّصْب ظرف لقال، {يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ}: في الدنيا، مقالا وفعلا بترك الرياء، {صِدْقُهُمْ}: فانتفاعهم به في الدنيا كلا انتفاع لفنائها، وأما صدق إبليس بقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ } }... [إبراهيم: 22] إلى آخره فلا ينفع كذبه في الدنيا التي هي دار العمل، {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}: هذا نفعهم، {ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ}: خَلْقاً وملْكاً، {وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: غلب غير العقلاء فيما فيهن؛ تنبيهاً على قصورهم عن تربية الربوية - والله أعلم بالصواب.