لَمَّا بين أحكام النساء اتبعه ما جرى من أمهات المؤمنين مَعَ مَا يضتمن من نصحهنّ فقال: {بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ}: بالحلف {مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ}: من مبا شر مارية أو العسل {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}: حفصة، إذ عاتبته على مباشرة مارية يومها أو يوم عائشة رضي الله عنهم فقال: صلى الله عليه وسلم: "مارية علي حرام تسلية لحفصة أو شرب العسل، فقالت سودة وصفية: نشم منك رائحة المغافير جمع مغفور والمغفور صَمْعُ العِضاه، كريه الرائحة، فحلف لا ياكل العسل" ، كذا في الصحيحين، والأوّلُ عن أكثر السلف {وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}: لا يؤاخذكم به {قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ}: شرع الله {لَكُمْ تَحِلَّةَ} أي: تحليل عقود، {أَيْمَانِكُمْ}: بالكفارة كما في المائدة، وعلى قول تحريم مارية، ورد أنه كفر بإعتقاق رقبة {وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ}: متولي أموركم {وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ}: في أحكامه {وَ}: اذكر {إِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} حفصة {حَدِيثاً} أي: تحريم ما مر مع خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بعده، كما قاله عليٌّ وابن عباس رضي الله عنهم وقال: لا تفشيه. كذا رواه الطبراني وغيره {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} عائشة على ظن جوازه {وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ} أي أطلع نبيه (عليه) أي: على النبأ به {عَرَّفَ}: لحفصة {بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ}: تكرما منه هو حديث العسل، أو الخلافة ولابن كثير في إسناده نظر {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا}: ظنت أن عشائة نصحتها {قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ}: ثم قال تعالى لحفصة وعائشة: {إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ}: فتوبا {فَقَدْ صَغَتْ} أي: مالت {قُلُوبُكُمَا}: إلى موجب التوبة وهو الم سرة بما كرهه صلى الله عليه وسلم، من تحريم مارية {وَإِن تَظَاهَرَا}: تعاونا {عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ}: ناصره {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}: أبو بكر وعمر كما في مسلم وغيره، أو كلهم {وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}: تتظاهر لنصره {عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ}: منقادات {مُّؤْمِنَاتٍ}: مؤصدقات {قَانِتَاتٍ}: مواظبات على الطاعة {تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ}: صائمات أو مهاجرات {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً}: وسط العطف لتنافيهما، أي: مشتملات على الثيبات والأبكار {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ}: بالطاعة {وَأَهْلِيكُمْ}: بالنصح {نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ}: الكبريت أو الأصنام {عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ}: خلقا ما بين منكبي الواحد منهم سنة، أو كما بين المشرق والمغرب {شِدَادٌ}: خلقا وبطشا {لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ}: في {مَآ أَمَرَهُمْ}: فيما مضى {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}: فيما يستقبل {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ}: فإنه لا ينفع {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ}: جزاء {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً}: ناصحة صادقة لأنهم معها بالمعاودة، وفي الحديث: "هي أن يتوب ثم لا يرجع كما لا يعود اللبن إلى الضرع" {عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ}: قد مر حكمة "عسى" من الكريم {يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ}: بإخال النار {نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}: على الصراط {يَقُولُونَ}: إذا انطفأ نور المنافقين أو حين رأوا نور بعضهم أنقص من بعض بحسب أعمالهم: {رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا}: وعلى الثاني {وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ}: بالسيف {وَٱلْمُنَافِقِينَ}: بالحجة {وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ}: إذا بلغ الرِّفْق مداه {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ}: هي {ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ}: أي: جعل مثل حال الذين {كَفَرُواْ}: في عدم انتفاعهم بقرابتهم للأنبياء {ٱمْرَأَتَ نُوحٍ}: والهة {وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ}: واغلة {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا}: كرر ذكر عبودتيهما؛ لتشريف الإضافة {صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}: بالنفاق {فَلَمْ يُغْنِيَا}: أي: لم يدفع النبيان {عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ} أي: عذابه {شَيْئاً وَقِيلَ} لهما: {ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ} الكفار {ٱلدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ}: أي: جعل مثل حال الذين {آمَنُواْ}: في عدم تضررهم بقرابة الكفار {ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} آسية {إِذْ}: آمنت بموسى فعذبها فرعون أشد تعذيب: إذْ {قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ}: فكشف لها عن بيتها في الجنة، فضحكت ثم قبضت، وقيل: رفعت إلى الجنة حية {وَ} {ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ}، تسلية للأرامل {مَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ}: صانت {فَرْجَهَا}: من الرجال {فَنَفَخْنَا فِيهِ}: في فرجها {مِن رُّوحِنَا}: بنفخ جبريل في جيب درعها وكل خرق في الثوب يسمى فرجا، فحملت بعيسى عليه الصلاة والسلام {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ} أي: بشرائع {رَبِّهَا وَكُتُبِهِ}: المنزلة {وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ}: المواظبين على الطاعة، ذَكَّر؛ للتغليب أو لكمالها، أو "مِنْ" ابتدائية - واللهُ أعْلَمُ.