لمَّا أَوعدهم بما مر وأسند الإتيان بالماء المعين إلى رب العالمين، نسبوه إلى الجنون، فبرأه عنه فقال: {بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * نۤ}: كما مر، أو هو الحوت جنسه، أو الحامل للأرض، أو دواة كتب منه الكائنات، أقسم الله به وفي إعراب الكل سوى الأول فاعل {وَٱلْقَلَمِ}: الذي خط اللوح أو ما يخط به خصَّه؛ لكثرة فوائده {وَمَا يَسْطُرُونَ}: الضمير للقلم، وجمع تعظيما أو للحفظة أو لأصحابه {مَآ أَنتَ}: يا محمد {بِنِعْمَةِ}: بسبب إنعام {رَبِّكَ}: عليك {بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً}: على الاحتمال أو الإبلاغ {غَيْرَ مَمْنُونٍ}: مقطوع {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}: "كَان خُلُقهُ القُرآن" ، أي: يتخلق بما فيه من مكارم الأخلاق مزجوراً عما زجر من رذائلها، والخلق في اللغة: الطبع المتكلف كما أن الخِيْم الطبع الغريزي، أو بمعنى دين {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ}: الذين رموك بالجنون {بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ}: فتنة الجنون أي: في أي الفريقين منكم الجنون {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ}: إليه {فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ}: أي: دم على مخالفتهم {وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ}: تلاينهم بترك نهيهم {فَيُدْهِنُونَ}: يلاينونك بترمك الطعن فيكم {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ}: كثير الحلف {مَّهِينٍ}: حقير الرأي {هَمَّازٍ}: عياب {مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ}: نقال للكلام إفسادا {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ}: يمنع نفسه وغيره عنه {مُعْتَدٍ}: ظالم {أَثِيمٍ}: كثير الإثم {عُتُلٍّ}: غليظ جاف، وفي الحديث: "هو الشديد الخلق، الصحيح الجسم الأكول الشروب، الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس، رحيب الجوف" {بَعْدَ ذَلِكَ}: الوصف {زَنِيمٍ}: دعي منسوب إلى قوم ليس منهم بَيَّنَةُ؛ لأن خبث النطفة يورث خبث الناشئ منها، وكذا في الحديث : "لا يدخل الجنة ولد الزنا، ولا ولده، ولا ولد ولده" ، وفيه "أن أولاد الزنا يحشرون في صورة القردة والخنازير" ، والأصح نزولها في الوليد بن المغيرة ادعاه أبوه وهو ابن ثماني عشر سنة، روي أنه بعد نزولها أقرت أمه بالزنا {أَن}: أي: لأن {كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ}: هي {أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ}: أكاذيبهم {سَنَسِمُهُ}: سنجعل له علامة كسمة الحيوان {عَلَى ٱلْخُرْطُومِ}: أي: أنفه، وفيه إهانة، لأكثرية استعماله في الخنزير والفيل، وقد خطم بالسيف في بدر وبقي كذلك إلى موته {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ}: أي: قريشا بالقحط بعد مطرهم {كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ}: بستان قريب صنعاء بفرسخين، كان لرجل يتصدق منه بعد رفع عيسى عليه الصلاة والسلام بيسير، فلما مات بخل أولاده {إِذْ أَقْسَمُواْ }: حلقوا {لَيَصْرِمُنَّهَا}: يقطعون ثمرتها {مُصْبِحِينَ}: وقت الصبح اختفاء من الفقراء {وَلاَ يَسْتَثْنُونَ}: في حلفهم بإن شاء الله، أو حِصَّة الفقراء كأبيهم {فَطَافَ عَلَيْهَا}: على الجنة بلاء {طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ}: وهو نارٌ أحرقتها {وَهُمْ نَآئِمُونَ}: في بيوتهم {فَأَصْبَحَتْ}: الجنة {كَٱلصَّرِيمِ}: كبستان صرفم ثماره، أو كالليل لسواده {فَتَنَادَوْاْ} بعضهم بعضا {مُصْبِحِينَ}: وقت الصبح {أَنِ}: أي: بأن {ٱغْدُواْ}: مقبلين {عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ}: قاطعين له {فَٱنطَلَقُواْ}: إليه {وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ}: يتساررون {أَن}: أي: بأن {لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ} أي: لا تمكنوه من الدخول {وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ}: نكد أو منع للفقراء {قَادِرِينَ}: على الامتناع في ظنهم، أو مضيقين على الفقراء {فَلَمَّا رَأَوْهَا}: محترقة مسودة {قَالُوۤاْ}: أولا: {إِنَّا لَضَآلُّونَ}: طريقها، ولما تأملوا قالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}: نفعها {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}: أعدلهم {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ}: هلاَّ {تُسَبِّحُونَ}: الله تعالى بالاستثناء أو بالتوبة من خبث نيتكم وقد كان نصحهم {قَالُواْ سُبْحَانَ}: تنزيه {رَبِّنَآ}: عن الظلم {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}: بخبث النية {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ}: يلوم بعضهم بعضا {قَالُواْ يٰوَيْلَنَا}: كما مر{إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ}: متجاوزين حد الله {عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ}: راجعون العفو، فأبدلهم به جنةً خيرا منها عنقودةٌ منها حِمءلُ بَغْل {كَذَلِكَ}: الذين بلونا به قريشا وأصحاب الجنة {ٱلْعَذَابُ}: في الدنيا {وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}: ما عصونا، ولما قاسو أحوالهم ف يالعقبى على أحوالهم في الدنيا تنعما نزل: {إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ}: في الإكرام {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}: هذا {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ}: سماوي {فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ}: في هذا الكتاب {لَمَا تَخَيَّرُونَ}: تختارونه {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ} عهود مؤكدا بها {عَلَيْنَا بَالِغَةٌ}: في التوكيد ثابتة {إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ}: وجوابها {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ}: به: {سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ}: الحكم {زَعِيمٌ}: كفيل أو مدع {أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ}: في هذه الدعوى {فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ}: إذ لا أقل من التقليد، اذكر {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ}: أي: القيامة يكشف فيها عن نور عظيم يخرون له سجدا، كذا في الحديث أو هو مثل في شدة الأمر {وَيُدْعَوْنَ}: الكفار والمنافقون توبيخا {إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ}: السجود، إذ تصير ظهورهم طبقا واحدا بلا مَفَاصِل {خَٰشِعَةً}: ذليلة {أَبْصَٰرُهُمْ}: لا يرفعونها دهشة {تَرْهَقُهُمْ}: تغشاهم {ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ}: أصحاء، فلم يسجدوا ولم يصلوا، وأما المؤمن فيسجد بلا دعاء كما مر {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ}: القرآن {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ}: نقربهم من العذاب تدريجا بالإمهال {مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}: أنه استدراج بإكثار مال ونحوه {وَأُمْلِي}: أمهل {لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}: لا يندفع {أَمْ}: بل {أَ} {تَسْأَلُهُمْ}: يا محمد {أَجْراً}: على الراسلة {فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}: فلا يؤمنون {أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ}: أي: علمه {فَهُمْ يَكْتُبُونَ}: منه ما يزعمون {فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}: بإمهالهم {وَلاَ تَكُن}: في العجلة {كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ}: يونس عليه الصلاة والسلام {إِذْ نَادَىٰ}: في بطنه {وَهُوَ مَكْظُومٌ}: مملوء غيظا {لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ}: بقبول توبته {لَنُبِذَ}: لطرح من بطنه {بِٱلْعَرَآءِ}: في الفضاء {وَهُوَ مَذْمُومٌ}: لكن رحمه فنبذ غير مذموم {فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ}: برد الوحي إليه {فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ}: الكاملين في الصلاح {وَإِن}: إنه {يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ}: يُزلون قدمك ويرمونك: {بِأَبْصَارِهِمْ}: بنظر العداوة إن قَدروا، أو بالعين {لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ} القرآن حسداً {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}: لحيرتهم فيه {وَمَا هُوَ}: القرآنُ {إِلاَّ ذِكْرٌ}: عظةٌ {لِّلْعَالَمِينَ}: فلا ينزل إلا على أكملهم عقلا، قال الحسن: دَوَاءُ العين: قراءةُ الآية - واللهُ أعْلمُ بالصّواب.