لَمَّا قال: إنه عظة للعالمين؛ ذكَّرُهم بما في القايمة من الأهوال، وبما حل على الكفرة من الوبال فقال: {بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ} القيامة {ٱلْحَاقَّةُ} الثابت وقوعها، ووقوع ما فيها من البعث وغيره {مَا ٱلْحَآقَّةُ}: استفهام تعظيم {وَمَآ}: أيُّ شيءٍ {أَدْرَاكَ}: أعلمك {مَا ٱلْحَاقَّةُ}: أي: لا تعلمها لعظمتها وآثرها على الضمير؛ لأنه أهون، وكذا في قوله: ما القارعة {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ}: القيامة القارعة للقلوب تهويلا {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ}: بطغيانهم أو بالصيحة المتجاوزة عن الحد شدةً {وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ}: شديد البرد أو الصوت {عَاتِيَةٍ}: شديدة {سَخَّرَهَا}: سلطها الله عز وجل {عَلَيْهِمْ} يعني: لا لنظر النجوم كما زعمه المنجمون {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}: من آخر شوال من صبح الأربعاء إلى غروب أربعاء في أيام العجوز في شهر "آذار" {حُسُوماً}: متتابعة [بَعْدَ] هبوب أو قاطعات أو نحسبات { فَتَرَى}: لو كنت حاضرا {ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ}: موتى، جمع صريع {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ}: أصول {نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}: ساقطة {فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن}: نفس {بَاقِيَةٍ}: أو بقاء {وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ}: من الكفار {وَ} أهل القرى {ٱلْمُؤْتَفِكَاتُ}: المتقلبات بأهلها: أي: قوم لوط {بِالْخَاطِئَةِ}: أي: الخطيئة {فَعَصَوْاْ}: كل منهم {رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً}: زائدة في الشدة {إِنَّا لَمَّا طَغَا}: تجاوز {ٱلْمَآءُ}: بحيث علا على أعلى الجبال خمسة عشر ذراعا {حَمَلْنَاكُمْ}: يحمل آبائكم {فِي ٱلْجَارِيَةِ}: السفيينة لنوح {لِنَجْعَلَهَا}: أي: تلك الفعلة {لَكُمْ تَذْكِرَةً}: عظة {وَتَعِيَهَآ}: تحفظها {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}: حافظة لما تسمع {فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}: الأولى، وقيل: الثانية، ومعنى واحدة، أي: لا تثنى {وَحُمِلَتِ}: رفعت {ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ}: عن أماكنها بالريح أو الملائكة أو محض القدرة {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}: فيصِير الكُلّ هباء منبسطا بلا عوج ,لا أمت {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ}: قامت {ٱلْوَاقِعَةُ}: القيامة {وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ}: لنزول الملائكة {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}: كصوف لا يستمسك {وَٱلْمَلَكُ}: جنهسم {عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ}: جوانبها لخراب مكانهم، ولعل هلاكهم بأثر ذلك، أوهم داخلون في الاستثناء {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ}: فوق الملائكة {يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}: من الملائكة "بين شحمة أذنهم إلى عاتقهم يخفق الطير سبعمائة عام"، والآن يحمله أربعة أو ثمانية أصناف لا يعلم عددهم إلا الله تعالى {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ}: للحساب {لاَ تَخْفَىٰ}: على الله {مِنكُمْ خَافِيَةٌ }: فالعرض للعدل وإفشاء الحال، وهذا يعد النفخة الثانية، ولا تساع معنى اليوم للنفختين وغيرهما، جعله ظرفا للكل {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ}: قال ابن عباس: أولهم عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، وحينئذ أبو بكر في الجنة، وقد زفته الملائكة إليها {فَيَقُولُ هَآؤُمُ}: أي: خذوا كتابي {ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ}: الهاء للسكت {إِنِّي ظَنَنتُ} تيقنت {أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}: ذات رضا {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا}: ثمارها {دَانِيَةٌ}: قريبة يجتنبها المضطجع، يقال لهم: {كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ}: أكلا وشربا {هَنِيئَاً} كما مر {بِمَآ أَسْلَفْتُمْ} قدمتم {فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ}: الماضية {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يٰلَيْتَهَا}: أي: موتة الدنيا {كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ}: القاطعة لحياتي، فلا أبعث بعدها {مَآ أَغْنَىٰ}: دفع {عَنِّي مَالِيَهْ * هَّلَكَ}: ضل {عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}: قوتي أو حجتي، فيقول الله تعالى: {خُذُوهُ}: فيبتدروه سبعون ألف ملك {فَغُلُّوهُ}: أجمعوا يديه إلى عنقه بالغل {ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ}: أدخلوه {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً}: الله تعالى أعلم بذراعه، فإنها أطول مما بين السماء والأرض {فَاسْلُكُوهُ}: أدخلوه، فيدخل في ستة ويخرج من فيه {إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ}: يحث {عَلَىٰ} بذلك {طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ}: فيكف بتاركه، خَصَّ أقبح الخصائل وأشنع الرذائل بالذكر {فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ}: صديق يحميه {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ}: قيح يسيل من جروحهم، ولأهل النار دركات منهم من يُطْعم ضريعا، ومنهم من يطعمُ زقوما {لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ}: بالشرك {فَلاَ}: صلة {أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ}: شمل الخلائق وجميع المخلوق {إِنَّهُ}: القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}: يبلغه من الله محمد أو جبريل {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا}: صلة {تُؤْمِنُونَ}: تصدقون لعنادكم {وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}: ولذا التبس عليكم، خصه بالذكر لأن منافاته لطريقفة الكهنة تحتاج إلى تذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ومعاند القرآن، وأما منافاته لللشعر فظاهر منكره معاند، هو {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ}: افترى النبي {عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ}: لأخذناه بالقوة أو بيمنيه {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ}: أي: مناط قلبه بضرب عنقه، صور إهلاكه بأفطع القتل، إذ القاتل بيمين يضرب عنقه من قدامه، وبيساره من يضرب من قفاه، ولأول أشد {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ}: عن قتله، أو المقتول {حَاجِزِينَ}: دافعين، جمعه لعموم موصوفه {وَإِنَّهُ}: القرآن {لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}: لأنهم المنتفعون به {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ}: له فيجازيهم { وَإِنَّهُ}: القُرآنُ {لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ}: إذا رأوا ثواب مصدقية {وَإِنَّهُ لَحَقُّ}: أي: للمتقين، حق {ٱلْيَقِينِ}: عينه ومحضه {فَسَبِّحْ}: نزه مستعيناً {بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ}: شكرا لهذه النعماء، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمأب.