الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لَمَّا قال: { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ... } [الإنسان: 31] إلى آخره، أقسم على وقوع هذا الوعد والوعيد فقال: {بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَ}: الملائكة {ٱلْمُرْسَلاَتِ}: بأوامر الله تعالى {عُرْفاً}: متتابعات، أو للمعروف {فَٱلْعَاصِفَاتِ}: كالرياح في سرعة امتثال أمره تعالى {عَصْفاً * و}:: الملائكة {ٱلنَّاشِرَاتِ}: للعلم والشرع في الأرض {نَشْراً * فَٱلْفَارِقَاتِ}: بين الحق والباطل بما مر {فَرْقاً * فَٱلْمُلْقِيَٰتِ}: إلى الأنبياء {ذِكْراً}: كتبا {عُذْراً}: من الله عز وجل إلى عباده {أَوْ نُذْراً}: أي: إنذارا لهم من عذابه، والمراد بالأخير: جبريل، وجمع تعظما، وأتى بالفاء فيما يصتل بسابقه كسرعة امتثالهم وإرساله، وبالواو فيما لم يتصل كانتشار الشرع بعد امتثالهم المذكور، فإن بينهما أذيات وتكذيبات، وكذا في الباقي {إِنَّمَا تُوعَدُونَ}: من البعث وغيره {لَوَٰقِعٌ * فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ}: محي نورها {وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ}: انشقت {وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ}: فتتت كالحب ينسف {وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ}: بلغت ميقاتها الموعود لتعذيب مكذيبهم، ثم قال تعجبا من هو له: {لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ}: ضرب أجل جمعهم لذلك، ولم يعجل، فبين سبب تأجليه بقوله: {لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ}: بين الخلق {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ}: لعظمته وهو له {وَيْلٌ}: هو أعظم واد في جهنم، او مجتمع صديد أهلها {يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}: بذلك اليوم ومثل ذلك التكرار شائع عند البلغاء {أَلَمْ نُهْلِكِ}: المذكبين {ٱلأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ}: المكذبين {ٱلآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ}: مشركي مكة {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}: بآيات الله تعالى {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ}: نطفة قذرة {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ}: أي: مكان حريز وهو الرحم {إِلَىٰ قَدَرٍ}: مقدر {مَّعْلُومٍ}: عندنا للولادة {فَقَدَرْنَا}: على ذلك أو قدرناه {فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ}: نحن {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}: يقدرتنا عليه أو على إعادته {أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً}: كافية جامعة {أَحْيَآءً}: في طهرها {وَأَمْوٰتاً}: في بطنها {وَجَعَلْنَا فِيهَا}: جبالا {رَوَاسِيَ}: ثوابت {شَامِخَاتٍ}: طوالا {وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً}: عذبا {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}: بأمثال هذه النعم، يقال لهم يومئذ: {ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}: من العذاب {ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ}: لدخان جهنم {ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ}: تشعب لعظمه، أو هي اللهب والشرر والدخان {لاَّ ظَلِيلٍ}: يظلهم من الحر {وَلاَ يُغْنِي}: لا يدفع {مِنَ}: حر {ٱللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ}: ما يتطاير من النار كل شررة {كَٱلْقَصْرِ}: عظمة وارتفاعها {كَأَنَّهُ}: في اللون والكثرة والتتابع {جِمَٰلَتٌ}: جمع جمل {صُفْرٌ}: قيل: يمعنى سود {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}: بذلك {هَـٰذَا يَوْمُ}: أي: وقت {لاَ يَنطِقُونَ}: لدهشتهم، وهذا في بعض المواقف {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ}: في الاعتذار {فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}: بذلك {هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ}: بين الخلق {جَمَعْنَٰكُمْ}: أيها المذكبون {وَ}: المكذبين {ٱلأَوَّلِينَ * فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ}: حيلة في الفرار وغيره {فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}: بذلك {إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ}: تحت أشجار {وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}: مقولالهم {كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً}: متهنين {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} بذلك {كُلُواْ} أمر تحسير؛ تذكير لحالهم في الدنيا، أي: ويل لهم في حالة يقال بهم كلوا {وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} بالتكذيب {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ}: أي: صلوا {لاَ يَرْكَعُونَ}: تكذيبا لوجوبها، نزلت في ثقيف {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}: بذلك {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ}: أي: بعد القرآن {يُؤْمِنُونَ}: به إذا لم يؤمنوا به مع ظهور معجزاته، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.