الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لما أنذر بعذاب قريب أقسم على وقوعه فقال: {بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَ}: الملائكة {ٱلنَّازِعَاتِ}: أي: المخرجات بشدة أرواح الكفار {غَرْقاً}: أي: إغراقا ينزعها من أقاصي أبدانهم، من أغرق أي: بلغ أقصى غايته {وَٱلنَّاشِطَاتِ}: المخرجات بسهولة أرواح المؤمنين {نَشْطاً * وَٱلسَّابِحَاتِ}: في أعماق أبدانهم لإخراجها برفق كالغواصين {سَبْحاً * فَٱلسَّابِقَاتِ}: بأرواحهم إلى الجنة أو النار {سَبْقاً * فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً}: أي: أمرها بأثبتها أو عقابها أو أمور أهل الأرض، وهذا منها، وقد مر نكتة الفاء والواو في المرسلات، وجواب القسم: لتبعثن الدال عليه قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ}: تتحرك {ٱلرَّاجِفَةُ}: النفخة الأولى التي يرجف بها كل شيء ويموت وبينهما أربعون سنة يمطر فيها ماء كالنطف {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ}: قلقة {أَبْصَارُهَا}: أي: أبصار أصحابها {خَاشِعَةٌ}: ذليلة، لأنهم {يَقُولُونَ}: في الدنيا {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ}: أي إلى أول أمرنا في الحياة بعد موتنا والحال أنا في قبور ذات حفر {أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً}: بالية، نرد؟! {قَالُواْ} استهزاء: {تِلْكَ إِذاً} إن صحت {كَرَّةٌ}: رجعةٌ {خَاسِرَةٌ}: ذات خسر علينا؛ لتكذيبنا بها،، قال تعالى: لا تستصعبوها {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ}: صيحة {فَإِذَا هُم} أحياء {بِٱلسَّاهِرَ}: أي في الأرض المستوية {هَلْ} أي: قد {أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ}: ليُسلِّيك على تكذيبهم {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى}: أسمه كما مر قائلا: {ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ }: تكبر {فَقُلْ هَل لَّكَ} ميل {إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ}: تتطهر من الكفر {وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ}: معرفة {رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ}: عقابه، ذهب {فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ}: من آياته أي: العصا {فَكَذَّبَ}: بها {وَعَصَىٰ}: الله تعالى {ثُمَّ أَدْبَرَ}: عن الطاعة {يَسْعَىٰ}: في إبطال أمره {فَحَشَرَ}: فجمع جنوده {فَنَادَىٰ} فيهم بصوت رفيع {فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ}: لا رب فوقي، وكانوا عبدة الأصنام، هذا بعد قوله { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38] بأربعين سنة، فأمهله حتى تكلم بهذا {فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ}: بالعذاب {نَكَالَ} أي: عقوبة {ٱلآخِرَةِ}: بالنار {وَٱلأُوْلَىٰ}: بالإغراق، أو عقوبة الكلمتين {إِنَّ فِي ذَلِكَ}: المذكور {لَعِبْرَةً لِّمَن}: شأنه أن {يَخْشَىٰ * ءَأَنتُمْ}: يا منكري البعث {أَشَدُّ}: أصعب {خَلْقاً}: بعد الموت {أَمِ ٱلسَّمَآءُ} بين كيفية خلقها بقوله {بَنَاهَا}: وبين البناء بقوله {رَفَعَ سَمْكَهَا}: أي: م قدار ذهابها في سمت العلو {فَسَوَّاهَا}: جعلها مستوية بلا تفاوت وفطور {وَأَغْطَشَ}: أظلم {لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ}: أبرز {ضُحَاهَا}: ضوء شمسها {وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} بسطها، والحال أنه قد {أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا}: ثبتها، وسبق الكلام فيه في آيتي: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [الأعراف: 54] {مَتَاعاً}: تمتيعا لكم {وَلأَنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ}: الداهية {ٱلطَّآمَّةُ}: تطم وتعلو الدواهي {ٱلْكُبْرَىٰ}: النفخة الثانية أو القيامة {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ}: أي عمله برؤيته في صحيفته {وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ}: أي: لكل راء {فَأَمَّا مَن طَغَىٰ}: تمرد {وَآثَرَ}: أختبار {ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا}: أي: شهواتها على الآخرة {فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ}: أي مأواه {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}: أي: القيام لديه في القيامة {وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ}: أي الشهوات {فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ}: أي: مأواه {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ}: متى {مُرْسَٰهَا}: أي: إقامتها {فِيمَ}: أي: في أي: شيء {أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا}: أي: ذكر وقتها لهم، إذ لا ينفعهم ولا تعلمها {إِلَىٰ رَبِّكَ}: وحده {مُنتَهَٰهَآ} منتهى عملها {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا}: لا يعين وقتها {كَأَنَّهُمْ}: في استصغار لبثهم في الدنيا {يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ}: في الدنيا {إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا}: أي: الضحى التي تلي تلك العشية، وهي ساعة من نهار، وإنما أضاف لإفادة التقليل - واللهُ أعلم بالصّواب.