لَمَّا ذكر حال السُّعداء والأشقياء، أتبعه بما هو كتتميمة فقال: {بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَيْلٌ}: شر أودية جهنم {لِّلْمُطَفِّفِينَ}: الناقصين في الكيل والوزن خفية {ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ}: حقوقهم {عَلَى}: أي: من {ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ}: يأخذونها وافية {وَإِذَا كَالُوهُمْ}: أي: لهم {أَوْ وَّزَنُوهُمْ}: أي: لهم {يُخْسِرُونَ}: ينقصون، ولما كانوا يستوفون حقوقهم بالكيل فقط لتمكنهم بهِ مِن استيفاء السرقة بالدغدغة والحيلة في الملأ ويعطون بالنوعين لتمكنهم منها فيهما خص الأول بالكيل {أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ}: القيامة {يَوْمَ}: ظرف مبعوثون {يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ}: أي: لحكمة {كَلاَّ} حقًّا {إِنَّ كِتَابَ}: أعمال {ٱلْفُجَّارِ لَفِي}: أي: لمثبت في {سِجِّينٍ}: هو كتاب جامع لأعمال شياطين الجن والإنس {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ}: مسطور أو مختوم، وهذا لا ينافي كونه "اسما لجُبٍّ في جهنم" أو لأسفل سبع أرضين، مكان أرواح الكفار؛ لجواز اشتراك الاسم، ومن فسره به يجعل كتاب بيانا للكتاب المذكور {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ}: الجزاء {وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ}: متجاوز عن الحد {أَثِيمٍ}: كثير الإثم {إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ} هي {أَسَاطِيرُ}: أكاذيب {ٱلأَوَّلِينَ * كَلاَّ}: رَدْعٌ لهم عن هذ الزعم {بَلْ رَانَ}: جعل الرين والصَّدَأ {عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}: أي: كسبه المعاصين ولذا يزعمون ذلك، والرين اسوداد القلب بالذنب وفوقه الطبع عليه، وفوقه الإقفال عليه {كَلاَّ} لا {إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}: فلا يرونه {ثُمَّ}: مع ذلك {إِنَّهُمْ لَصَالُواْ}: أي: داخلوا {ٱلْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ}: لهم {هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * كَلاَّ} إلاَّ { إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}: كتاب جامع لأعمال البررة {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ}: لتعظيمه وكل ما ذكرناه في سجين يأتي ضده هنا، إذ ورد إنه الجنة أو فوق السماء السابعة وغير ذلك {إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}: أي: الجنة {عَلَى ٱلأَرَآئِكِ}: أي: السرر في الحجال والحجلة بيت العروس المزين بالستور ونحوها {يَنظُرُونَ}: عنايات ربهم {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ}: أي: بهجة {ٱلنَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ}: خمر خالصة {مَّخْتُومٍ}: على إنائها كالملوك {خِتَامُهُ}: أي: آخر طعمة ورائحته، أو ختمه مكان الطين {مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ}: النعيم {فَلْيَتَنَافَسِ}: ليرغب بالمبادرة {ٱلْمُتَنَافِسُونَ}: الراغبون، وأصله المغالبة في شيء نفيس {وَمِزَاجُهُ}: أي: ممازجة {مِن تَسْنِيمٍ}: أعني {عَيْناً}: تجري في الهواء متسنمة تصب في أوانهيم {يَشْرَبُ بِهَا}: أي: منها {ٱلْمُقَرَّبُونَ}: أي: صرفها لهم لاشتغالهم عن غير الله، وممزوجها للأبرار{إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ}: كأبي جهل وصحبه {كَانُواْ مِنَ}: أجل الفقراء {ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ}: استهزاء {وَإِذَا مَرُّواْ}: أي: المؤمنون {بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ}: يشيرون إليهم بالجفن والحاجب استهزاء {وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ}: متعجبين أو ملتذين بتلك المسخرة، وفكهين بمعناه {وَإِذَا رَأَوْهُمْ}: أي: المؤمنين {قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ} بتركهم العاجل بالأجل {وَمَآ أُرْسِلُواْ}: أي: الكفرة {عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}: لأعمالهم {فَٱلْيَوْمَ}: القيامة {ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ}: أجل هوان {ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ}: في الجنة {يَنظُرُونَ}: أنواع عذابهم {هَلْ}: أي: قد {ثُوِّبَ}: جوزي {ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}: في الدنيا، استعمل الثواب تهكما، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمأب.