الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لَمَّا قال: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } [الغاشية: 2] إلى أن أمره بالتذكير، أتبعه بذكر طوائف من المذكبين وما حل بهم ليتذكروا فقال: {بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَٱلْفَجْرِ}: الصُّبح أو صلاته أو فجر النحر {وَلَيالٍ عَشْرٍ}: من أول ذي الحجّة، أو: آخر رمضان، أو أول المحرم، ونكرها تعظيما {وَٱلشَّفْعِ}: الزوج وهو الخلق { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [الذاريات: 49] {وَٱلْوَتْرِ}: الخالق {وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ} أي: يمضي، قيده؛ لأنه أدل على القدرة {هَلْ} للتقرير {فِي ذَلِكَ}: القسم {قَسَمٌ}: عظيم {لِّذِى حِجْر}: أي: عقل فيزدجر، وجواب القسم: ليعذبن الكفرة يدل عليه: {أَلَمْ تَرَ} يا محمد {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}: الأولى، قوم هود وأسباط {إِرَمَ}: بن عوص بن سام، وأهل إرم بلدتهم، وهي جنة شداد {ذَاتِ ٱلْعِمَادِ}: القدود والطوال، طويلهم خمسمائة ذراع وقصيرهم ثلاثمائة بذراع نفسه، أو البناء الرفيع {ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا}: عظما {فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ}: قطعوا {ٱلصَّخْرَ}: أي: جوفوه واتخذوه بيوتا {بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ}: كان يعذب بها كما مر في "ص" {ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}: أي: مختلطا من أنواع عذاب أو نوعه كما مر في الحاقة {إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَاد}: أي: في المرصد يرصد أعمالكم ليجازيكم {فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ}: اختبره {رَبُّهُ}: أيشكر أم لا؟ {فَأَكْرَمَهُ}: بالجاه {وَنَعَّمَهُ}: بالسعة {فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ}: بالفقر، أيصبر أم لا {فَقَدَرَ}: ضيق {عَلَيْهِ رِزْقَهُ}: لم يقل: أهانه؛ لأن البسط تفضل فتركه ليس بإهانة {فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ}: لقصور نظره، وإنما ذمه لجعله التقتير إهانة، لا يجعل الأول إكراما، أوله أيضا؛ لأنه قاله معتقدا استحقاقه لذلك {كَلاَّ}: ردع عن ذلك، أي: ليسا إكراما وإهانة {بَل}: فعلكم أشنع من هذا القول، فإنكم {لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ}: بالمبرة {وَلاَ تَحَآضُّونَ}: تحثون {عَلَىٰ طَعَامِ}: أي: إطعام {ٱلْمِسْكِينِ}: فضلاً عن غيرهم {وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ}: الميراث {أَكْلاً لَّمّاً}: جمعا بين الحلال والحرام، كانوا لا يورثون النساء الصبيان ويأخذون نصيبهم {وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً}: كثيراً {كَلاَّ}: ردعهم عن ذلك {إِذَا دُكَّتِ}: كسرت {ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً}: أي: دكا بعد دك حتى سويت {وَجَآءَ رَبُّكَ}: أي: أمره أو مجيئا يليق بجلاله للفصل {وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}: صفا بعد صف بحسب مراتبهم، محيطين بالجن والإنس {وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}: "لها سبعون ألف زمام، كل زمام مع سبعين ألف ملك يجرونها" ، وقيل معناه: برزت وأظهرت {يَوْمَئِذٍ}: ظرف لقوله {يَتَذَكَّرُ}: يستعظ {ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ} تنفع {لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ}: أي: التذكر {يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ}: خيرا {لِحَيَاتِي}: هذه أو في حياتي {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ}: أي: عذاب الله {أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ}: بالسلاسل {وَثَاقَهُ}: أي: إيثاق الله {أَحَدٌ}: بل الأمر لله، وإذا كانا مجهولين فالضميران للكافر أي: مثل عذابه ووثاقه، ويقال للمؤمن في الاحتضار أو البعث {يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ}: بذكر الله أو الآمنة {ٱرْجِعِي إِلَىٰ}: جوار {رَبِّكِ}: دل على وجود النفوس قبل الأبدان أو إلى جسدك {رَاضِيَةً}: يما أوتيت {مَّرْضِيَّةً}: عند الله تعالى {فَٱدْخُلِي فِي}: جملة {عِبَادِي}: الصالحين {وَٱدْخُلِي}: معهم جَنَّتِي}: أتى بالفاء فيما لم يتراخ عن الموت، وبالواو فيما يتراخا عنه - واللهُ أعْلمُ بالصّواب.