{ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم } يعني: أهل مكَّة { لننظر كيف
تعملون } لنختبر أعمالكم.
{ وإذا تتلى عليهم } على هؤلاء المشركين { آياتنا بينات قال الذين لا يرجون
لقاءنا } لا يخافون البعث: { ائت بقرآن غير هذا } ليس فيه عيب آلهتنا { أو بدَّله }
تكلَّمْ به من ذات نفسك، فبدِّلْ منه ما نكرهه { قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء
نفس } ما ينبغي لي أَنْ أغيِّره من قبل نفسي { إن أتبع إلاَّ ما يوحى غليَّ }
ما أُخبركم إلاَّ ما أخبرني الله به، أَي: الذي أتيتُ به من عند الله، لا من عندي
نفسي فأبدِّله.
{ قل لو شاء الله ما تلوته عليكم } ما قرأتُ عليكم القرآن { ولا أدراكم به } ولا
أعلمكم الله به { فقد لبثت فيكم عُمراً من قبله } أقمتُ فيكم أربعين سنةً
لا أُحدِّثكم شيئاً { أفلا تعقلون } أنَّه ليس من قبلي.
{ فمن أظلم ممن أفترى على الله كذباً } لا أحد أظلم ممَّن يظلم ظلم الكفر، أَيْ:
إني لم أفترِ على الله، ولم أكذب عليه، وأنتم فعلتم ذلك حيث زعمتم أنَّ معه
شريكاً { إنَّه لا يفلح المجرمون } لا يسعد مَنْ كذَّب أنبياء الله.
{ ويعبدون من دون الله ما لا يضرُّهم } إنْ لم يعبدوه { ولا ينفعهم } إن عبدوه
{ ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } في إصلاح معاشهم في الدُّنيا؛ لأنَّهم لا يقرُّون
بالبعث { قل أتنبؤون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض } أتخبرون الله أنَّ
له شريكاً، ولا يعلم الله سبحانه لنفسه شريكاً في السَّموات ولا في الأرض، ثمَّ
نزَّه نفسه عمَّا افتروه فقال: { سبحانه وتعالى عما يشركون }.
{ وما كان الناس إلاَّ أمة واحدة } يعني: من لدن عهد إبراهيم عليه السَّلام إلى أن
غيَّر الدِّين عمرو بن لُحي { فاختلفوا } واتَّخذوا الأصنام { ولولا كلمة سبقت من
ربك } بتأخير عذاب هذه الأُمَّة إلى القيامة { لقضي بينهم } بنزول العذاب.
{ ويقولون } يعني: أهل مكَّة: { لولا } هلاَّ { أنزل عليه آية من ربه } مثلُ العصا
وما جاءت به الأنبياء { فقل إنما الغيب لله } أَيْ: إنَّ قولكم: هلاَّ أنزل عليه آيةٌ
غيبٌ، وإنَّما الغيب لله لا يعلم أحدٌ لمَ لمْ يفعل ذلك { فانتظروا } نزول الآية { إني
معكم من المنتظرين }.
{ وإذا أذقنا الناس } كفار مكَّة { رحمة } مطراً وخَصْباً { من بعد ضرَّاء مستهم } فقرٍ
وبؤسٍ { إذا لهم مكر في آياتنا } قولٌ بالتَّكذيب، أَيْ: إذا أخصبوا بطروا، فاحتالوا
لدفع آيات الله { قل الله أسرع مكراً } أسرع نقمةً. يعني: إنَّ ما يأتيهم من العقاب
أسرعُ في أهلاكهم ممَّا أتوه من المكر في إبطال آيات الله { إنَّ رسلنا } يعني:
الحفظة { يكتبون ما تمكرون } للمجازاة به في الآخرة.