{فلا تبتئس} أَيْ: لا تحزن ولا تغتم.
{واصنع الفلك بأعيننا} بمرأى منا، وتأويله: بحفظنا إيَّاك حفظ مَنْ يراك، ويملك
دفع السُّوء عنك {ووحينا} وذلك أنَّه لم يعلم صنعة الفلك حتى أوحى الله إليه
كيف يصنعها {ولا تخاطبني} لا تراجعني ولا تحاورني {في الذين ظلموا} في
إمهالهم وتأخير العذاب عنهم، وقوله:
{إن تسخروا منا} أَيْ: لما يرون من صنعه الفلك {فإنا نسخر منكم} ونعجب
من غفلتكم عمَّا قد أظلَّكم من العذاب.
{فسوف تعلمون مَنْ يأتيه عذابٌ يخزيه} أَيْ: فسوف تعلمون مَنْ أخسر عاقبةً.
{حتى إذا جاء أمرنا} بعذابهم وهلاكهم {وفار التنور} بالماء، يعني: تنُّور
الخابز، وكان ذلك علامةً لنوح عليه السَّلام، فركب السَّفينة {قلنا احمل فيها}
في الفلك {من كلّ زوجين} من كلِّ شيءٍ له زوج {اثنين} ذكراً وأنثى
{وأهلك} واحمل أهلك يعني: ولده وعياله {إلاَّ مَنْ سبق عليه القول} يعني:
مَنْ كان في علم الله أنَّه يغرق بكفره، وهو امرأته واغلة، وابنه كنعان، {ومَنْ
آمن} واحمل مَنْ صدَّقك {وما آمن معه إلاَّ قليل} ثمانون إنساناً.
{وقال} نوحٌ لقومه الذين أُمر بحملهم: {اركبوا} يعني: الماء {فيها} في الفلك
{بسم الله مجريٰها ومرساها} يريد: تجري باسم الله، وترسي باسم الله، فكان إذا
أراد أن تجري السفينة قال: بسم الله، فجرت، وإذا أراد أن ترسي قال: بسم الله،
فَرَسَتْ، أَيْ: ثبتت {إن ربي لغفور} لأصحاب السَّفينة {رحيم} بهم.
{وهي تجري بهم في موج} جمع موجةٍ، وهي ما يرتفع من الماء {كالجبال} في
العِظَم {ونادى نوح ابنه} كنعان، وكان كافراً {وكان في معزل} من السَّفينة،
أَيْ: في ناحيةٍ بعيدة عنها.
{قال سآوي إلى جبل} أنضمُّ إلى جبلٍ {يعصمني} يمنعني {من الماء} فلا
أغرق، {قال} نوح: {لا عاصم اليوم من أمر الله} لا مانع اليوم من عذاب الله
{إلاَّ مَنْ رحم} لكن مَنْ رحم الله فإنَّه معصوم {وحال بينهما} بين ابن نوحٍ وبين
الجبل {الموج} ما ارتفع من الماء.
{وقيل يا أرض ابلعي ماءك} اشربي ماءك {ويا سماء أقلعي} أمسكي عن إنزال
الماء {وغيض الماء} نقص {وقضي الأمر} أُهلك قوم نوحٍ، وفُرِغ من ذلك
{واستوت} السَّفينة {على الجودي} وهو جبل بالجزيرة {وقيل: بعداً} من
رحمة الله {للقوم الظالمين} المتَّخذين من دون الله آلهاً.