{ويجعلون لله ما يكرهون} لأنفسهم، وذلك هو البنات، أَيْ: يحكمون له به،
{وتصف ألسنتهم الكذب} ثمَّ فسَّر ذلك الكذب بقوله: {أنَّ لهم الحسنى} أَي:
الجنَّة والمعنى: يصفون أنَّ لهم مع قبح قولهم الجنَّة إن كان البعث حقّاً، فقال الله
تعالى: {لا} أَيْ: ليس الأمر كما وصفوه {جرم} كسب قولهم هذا {أنَّ لهم
النار وأنَّهم مُفرْطون} متروكون فيها. وقيل: مُقدَّمون إليها. وقوله:
{فهو وليُّهم اليوم} يعني: يوم القيامة، وأُطلق اسم اليوم عليه لشهرته، وقوله:
{لتبين لهم الذي اختلفوا فيه} أَيْ: تُبيِّن للمشركين ما ذهبوا فيه إلى خلاف
ما يذهب إليه المسلمون، فتقوم الحجَّة عليهم ببيانك. وقوله: {وهدى} أَيْ:
والهداية والرَّحمة للمؤمنين. وقوله:
{والله أنزل} ظاهرٌ إلى قوله: {يسمعون} أَيْ: سماع اعتبار. يريد: إنَّ في ذلك
دلالة على البعث.
{وإنَّ لكم في الأنعام لعبرة} لدلالةً على قدرة الله تعالى ووحدانيَّته {نسقيكم مما
في بطونه من بين فرث} وهو سرجين الكرش {ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين}
جائزاً في حلوقهم.
{ومن ثمرات} أَيْ: ولكم منها ما {تتخذون منه سكراً} وهو الخمر. نزل هذا
قبل تحريم الخمر {ورزقاً حسناً} وهو الخلُّ والزَّبيب والتَّمرُ {إنَّ في ذلك لآية
لقومٍ يعقلون} يريد: عقلوا عن الله تعالى ما فيه قدرته.
{وأوحى ربك إلى النحل} ألهمها وقذف في أنفسها {أن اتخذي من الجبال بيوتاً
ومن الشجر} هي تتَّخذ لأنفسها بيوتاً إذا كانت لا أصحاب لها، فإذا كانت لها
أرباب اتِّخذت بيوتها ممَّا تبني لها أربابها، وهو قوله: {ومما يعرشون} أَيْ:
يبنون ويسقفون لها من الخلايا.
{ثمَّ كلي من كلِّ الثمرات فاسلكي سبل ربك} طرق ربِّك تطلب فيها الرَّعي
{ذللاً} منقادة مُسخَّرة مطيعة {يخرج من بطونها شراب} وهو العسل {مختلف
ألوانه} منه أحمر وأبيض وأصفر {فيه} في ذلك الشَّراب {شفاء للناس} من
الأوجاع التي شفاؤها فيه.
{والله خلقكم} ولم تكونوا شيئاً {ثمَّ يتوفاكم} عند انقضاء آجالكم {ومنكم مَنْ
يردُّ إلى أرذل العمر} وهو أردؤه، يعني: الهرم {لكيلا يعلم بعد علم شيئاً} يصير
كالصبيِّ الذي لا عقل له. قالوا: وهذا لا يكون للمؤمنين؛ لأنَّ المؤمن لا ينزع
عنه علمه وإن كبر {إنّ الله عليم} بما يصنع {قدير} على ما يريد.