التفاسير

< >
عرض

كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً
٣٣
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً
٣٤
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً
٣٥
وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً
٣٦
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً
٣٧
لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً
٣٨
وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً
٣٩
فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً
٤٠
أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً
٤١
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً
٤٢
وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً
٤٣
هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً
٤٤
-الكهف

{ كلتا الجنتين آتت أكلها } أدَّت ريعها تامَّاً { ولم تظلم منه شيئاً } لم تنقص. { وفجرنا خلالهما } أخرجنا وسط الجنتين { نهراً }.
{ وكان له ثمر } وكان للأخ الكافر أموال كثيرة { فقال لصاحبه } لأخيه { وهو يحاوره } يراجعه في الكلام ويُجاذبه، وذلك أنَّه سأله عن ماله فيما أنفقه؟ فقال: قدَّمته بين يدي لأقدم عليه، فقال: { أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً } رهطاً وعشيرةً.
{ ودخل جنته } وذلك أنَّه أخذ بيد أخيه المسلم فأدخله جنَّته يطوف به فيها، وقوله: { وهم ظالم لنفسه } أَيْ: بالكفر بالله تعالى { قال: ما أظنُّ أن تبيد } تهلك { هذه أبداً } أنكر أنَّ الله سبحانه يفني الدُّنيا، وأنَّ القيامة تقوم فقال: { وما أظن الساعة قائمة، ولئن رددت إلى ربي } يريد: إن كان البعث حقَّاً { لأجدنَّ خيراً منها منقلباً } كما أعطاني هذا في الدُّنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منه، فقال له أخوه المسلم:
{ أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة } في رحم أُمِّك { ثم سوَّاك رجلاً } جعلك معتدل الخلق والقامة.
{ لكنا } لكن أنا { هو الله ربي... } الآية.
{ ولولا } وهلاَّ { إذْ دخلت جنتك قلت ما شاء الله } أي: الأمر ما شاء الله، أَيْ: بمشيئة الله تعالى: { لا قوة إلاَّ بالله } لا يقوى أحدٌ على ما في يديه من ملكٍ ونعمةٍ إلاَّ بالله، هذا توبيخٌ من المسلم للكافر على مقالته، وتعليمٌ له ما يجب أن يقول، ثم رجع إلى نفسه فقال:
{ إن ترن أنا أقلَّ منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين } في الآخرة، أو في الدُّنيا { خيراً من جنتك أو يرسل عليها } على جنَّتك { حسباناً من السماء } عذاباً يرميها به من بَرَدٍ أو صاعقةٍ { فتصبح صعيداً زلقاً } أرضاً لا نبات فيها.
{ أو يصبح ماؤها } يعني: النَّهر خلالها { غوراً } غائراً ذاهباً في الأرض { فلن تستطيع } لا تقوى { له طلباً } لا يبقى له أثرٌ تطلبه.
{ وأحيط بثمره } وأُهلكت أشجار المثمرة { فأصبح يقلب كفيه } يضرب يديه واحدةً على الأخرى ندامةً { على ما أنفق فيها وهي خاوية } ساقطةٌ { على عروشها } سقوفها وما عرش للكروم { ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً } تمنَّى أنَّه كان مُوحِّداً غير مشركٍ حين لم ينفعه التَّمني.
{ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله } لم ينصره النَّفر الذين افتخر بهم حين قال: { وأعزُّ نفراً }. { وما كان منتصراً } بأن يستردَّ بدل ما ذهب منه، ثمَّ عاد الكلام إلى ما قبل القصة فقال:
{ هنالك } عند ذلك، يعني: يوم القيامة { الولاية لله الحق } يتولَّون الله ويؤمنون به، ويتبرَّؤون ممَّا كانوا يعبدون { هو خير ثواباً } أفضل ثواباً ممَّن يُرجى ثوابه { وخير عقباً } أَيْ: عاقبةُ طاعته خيرٌ من عاقبة طاعة غيره.