{ كلتا الجنتين آتت أكلها } أدَّت ريعها تامَّاً { ولم تظلم منه شيئاً } لم تنقص.
{ وفجرنا خلالهما } أخرجنا وسط الجنتين { نهراً }.
{ وكان له ثمر } وكان للأخ الكافر أموال كثيرة { فقال لصاحبه } لأخيه { وهو
يحاوره } يراجعه في الكلام ويُجاذبه، وذلك أنَّه سأله عن ماله فيما أنفقه؟ فقال:
قدَّمته بين يدي لأقدم عليه، فقال: { أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً } رهطاً وعشيرةً.
{ ودخل جنته } وذلك أنَّه أخذ بيد أخيه المسلم فأدخله جنَّته يطوف به فيها،
وقوله: { وهم ظالم لنفسه } أَيْ: بالكفر بالله تعالى { قال: ما أظنُّ أن تبيد } تهلك
{ هذه أبداً } أنكر أنَّ الله سبحانه يفني الدُّنيا، وأنَّ القيامة تقوم فقال: { وما أظن
الساعة قائمة، ولئن رددت إلى ربي } يريد: إن كان البعث حقَّاً { لأجدنَّ خيراً
منها منقلباً } كما أعطاني هذا في الدُّنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منه، فقال له
أخوه المسلم:
{ أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة } في رحم أُمِّك { ثم سوَّاك رجلاً }
جعلك معتدل الخلق والقامة.
{ لكنا } لكن أنا { هو الله ربي... } الآية.
{ ولولا } وهلاَّ { إذْ دخلت جنتك قلت ما شاء الله } أي: الأمر ما شاء الله، أَيْ:
بمشيئة الله تعالى: { لا قوة إلاَّ بالله } لا يقوى أحدٌ على ما في يديه من ملكٍ ونعمةٍ
إلاَّ بالله، هذا توبيخٌ من المسلم للكافر على مقالته، وتعليمٌ له ما يجب أن يقول،
ثم رجع إلى نفسه فقال:
{ إن ترن أنا أقلَّ منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين } في الآخرة، أو في الدُّنيا { خيراً من جنتك أو يرسل عليها }
على جنَّتك { حسباناً من السماء } عذاباً يرميها به من بَرَدٍ أو صاعقةٍ { فتصبح صعيداً زلقاً } أرضاً لا نبات فيها.
{ أو يصبح ماؤها } يعني: النَّهر خلالها { غوراً } غائراً ذاهباً في الأرض { فلن تستطيع } لا تقوى { له طلباً } لا يبقى له أثرٌ تطلبه.
{ وأحيط بثمره } وأُهلكت أشجار المثمرة { فأصبح يقلب كفيه } يضرب يديه
واحدةً على الأخرى ندامةً { على ما أنفق فيها وهي خاوية } ساقطةٌ { على
عروشها } سقوفها وما عرش للكروم { ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً } تمنَّى
أنَّه كان مُوحِّداً غير مشركٍ حين لم ينفعه التَّمني.
{ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله } لم ينصره النَّفر الذين افتخر بهم حين
قال: { وأعزُّ نفراً }. { وما كان منتصراً } بأن يستردَّ بدل ما ذهب منه، ثمَّ عاد
الكلام إلى ما قبل القصة فقال:
{ هنالك } عند ذلك، يعني: يوم القيامة { الولاية لله الحق } يتولَّون الله ويؤمنون
به، ويتبرَّؤون ممَّا كانوا يعبدون { هو خير ثواباً } أفضل ثواباً ممَّن يُرجى ثوابه
{ وخير عقباً } أَيْ: عاقبةُ طاعته خيرٌ من عاقبة طاعة غيره.