{ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } نزلت في قتلى بدر من المسلمين،
وذلك أنَّهم كانوا يقولون لمَنْ يُقتل في سبيل الله: مات فلانٌ وذهب عنه نعيم
الدُّنيا، فقال الله تعالى: ولا تقولوا للمقتولين في سبيلي هم أمواتٌ { بل } هم
{ أحياء } لأنَّ أرواح الشُّهداء في أجواف طيرٍ خضرٍ تسرح في الجنَّة. { ولكن
لا تشعرون } بما هم فيه من النَّعيم والكرامة.
{ ولنبلونكم } ولنعاملنَّكم مُعاملة المبتلي { بشيء من الخوف } يعني: خوف العدوِّ
{ والجوع } يعني: القحط { ونقص من الأموال } يعني: الخسران والنُّقصان في
المال وهلاك المواشي { والأنفس } يعني: الموت والقتل في الجهاد والمرض
والشَّيب { والثمرات } يعني: الجوائح وموت الأولاد، فمَنْ صبر على هذه الأشياء
استحقَّ الثَّواب، ومَنْ لم يصبر لم يستحق. يدلُّ على هذا قوله تعالى: { وبشر
الصابرين }.
{ الذين إذا أصابتهم مصيبة } ممَّا ذُكر { قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } أَيْ:
أموالنا لله، ونحن عبيدة يصنع بنا ما يشاء، ثمَّ وعدهم على هذا القول المغفرة.
{ أولئك عليهم صلوات من ربهم } أَيْ: مغفرةٌ { ورحمة } ونعمةٌ { وأولئك هم
المهتدون } إلى الجنَّة والثَّواب، والحقِّ والصَّواب. وقيل: زيادة الهدى، وقيل:
هم المنتفعون بالهداية.
{ إنَّ الصفا والمروة } [وهما جبلان معروفان بمكَّة] { من شعائر الله } أَيْ:
مُتعبَّداته { فمن حجَّ البيت } زاره معظِّماً له { أو اعتمر } قصد البيت للزِّيارة { فلا
جناح عليه } فلا إثم عليه { إن يطوَّف بهما } بالجبلين، وذلك أنَّ أهل الجاهليَّة
كانوا يطوفون بينهما وعليهما صنمان يمسحونهما، فكره المسلمون الطَّواف
بينهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية. { ومن تطوَّع خيراً } فعل غير المفترض عليه
من طوافٍ، وصلاةٍ، وزكاةٍ، وطاعةٍ { فإنَّ الله شاكر } مجازٍ له بعمله { عليم }
بنيَّته.
{ إنَّ الذين يكتمون ما أنزلنا } يعني: علماء اليهود { من البينات } من الرَّجم
والحدود والأحكام { والهدى } أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ونعته { من بعد ما بيناه للناس }
لبني إسرائيل { في الكتاب } في التَّوراة { أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } كلُّ
شيءٍ إلاَّ الجنَّ والإِنس.
{ إلاَّ الذين تابوا } رجعوا من بعد الكتمان { وأصلحوا } السَّريرة { وبيَّنوا } صفة
محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { فأولئك أتوب عليهم } أعود عليهم بالمغفرة.
{ إنَّ الذين كفروا وماتوا وهم كفَّار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين } يعني: المؤمنين.
{ خالدين فيها لا يخففُ عنهم العذاب ولا هم ينظرون } أَيْ: ولا هم يُمهلون
للرَّجعة والتَّوبة والمعذرة، إذ قد زال التَّكليف.