التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٧٨
وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٧٩
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ
١٨٠
فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٨١
فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٨٢
-البقرة

{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى } نزلت في حَيَّينِ من العرب أحدهما أشرف من الآخر، فقتل الأوضع من الأشرف قتلى، فقال الأشرف: لنقتلنَّ الحرَّ بالعبد، والذَّكر بالأنثى، ولَنُضاعِفَنَّ الجراح، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقوله: { كُتب } : أُوجب وفُرض { عليكم القصاص } اعتبار المماثلة والتَّساوي بين القتلى، حتى لا يجوز أن يقتل حرٌّ بعبدٍ، أو مسلمٌ بكافرٍ، فاعتبارُ المماثلةِ واجبٌ، وهو قوله: { الحرُّ بالحرِّ والعبدُ بالعبدِ والأنثى بالأنثى } ودلَّ قوله في سورة المائدة: { { أنَّ النَّفس بالنَّفس } على أنَّ الذَّكر يُقتل بالأنثى فيقتل الحرُّ بالحرَّة { فمن عفي له } أَيْ: تُرك له { من } دم { أخيه } المقتول { شيءٌ } وهو أن يعفو بعض الأولياء فيسقط القود { فاتباع بالمعروف } أَيْ: فعلى العافي الذي هو ولي الدَّم أن يتبع القاتل بالمعروف، وهو أن يطالبه بالمال من غير تشدُّد وأذىً، وعلى المطلوب منه المال { أداءٌ } تأدية المال إلى العافي { بإحسانٍ } وهو ترك المطل والتَّسويف. { ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة } هو أنَّ الله تعالى خَيَّرَ هذه الأمَّة بين القصاص والدية والعفو، ولم يكن ذلك إلاَّ لهذه الأُمَّة { فمن اعتدى } أَيْ: ظلم بقتل القاتل بعد أخذ الدية { فله عذابٌ أليم }.
{ ولكم في القصاص حياة } أَيْ: في إثباته حياةٌ، وذلك أنَّ القاتل إذا قُتل ارتدع عن القتل كلُّ مَنْ يهمُّ بالقتل، فكان القصاص سبباً لحياة الذي يُهَمُّ بقتله، ولحياة الهامِّ أيضاً؛ لأنه إنْ قَتلَ قُتل { يا أولي الألباب } يا ذوي العقول { لعلكم تتقون } [إراقة] الدِّماء مخافة القصاص.
{ كتب عليكم... } الآية. كان أهل الجاهليَّة يُوصون بمالهم للبعداء رياءً وسُمعةً، ويتركون أقاربهم [فقراء]، فأنزل الله تعالى هذه الآية. { كتب عليكم } فُرض عليكم وأُوجب { إذا حضر أحدكم الموت } أَيْ: أسبابه ومُقدِّماته { إنْ ترك خيراً } مالاً { الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف } يعني: لا يزيد على الثلث { حقاً } أي: حقَّ ذلك حقَّاً { على المتقين } الذين يتَّقون الشِّرك، وهذه الآية مسنوخةٌ بآية المواريث، ولا تجب الوصية على أحدٍ، [ولا تجوز الوصية للوارث].
{ فَمَنْ بدَّله بعد ما سمعه } أَيْ: بدَّل الإِيصاء وغيَّره من وصيٍّ ووليٍّ وشاهدٍ بعد ما سمعه عن الميت { فإنما إثمه } إثم التَّبديل { على الذين يبدلونه } وبَرِىءَ الميِّت { إن الله سميع } سمع ما قاله المُوصي { عليم } بنيَّته وما أراد، فكانت الأولياء والأوصياء يمضون وصيه الميت بعد نزول هذه الآية وإن استغرقت المال، فأنزل الله تعالى:
{ فمن خاف } أَيْ:علم { من موصٍ جنفاً } خطأً في الوصية من غير عمدٍ، وهو أن يُوصي لبعض ورثته، أو يوصي بماله كلِّه خطأً { أو إثماً } أَيْ: قصداً للميل، فَخافَ في الوصية وفعل ما لا يجوز مُتعمِّداً { فأصلح } بعد موته بين ورثته وبين المُوصى لهم { فلا إثم عليه } أَيْ: إِنَّه ليس بمبدلٍ يأثم، بل هو متوسطٌ للإِصلاح، وليس عليه إثمٌ.