{ تلك الرسل } أَيْ: جماعة الرُّسل { فضلنا بعضهم على بعض } أَيْ: لم نجعلهم
سواءً في الفضيلة وإن استووا في القيام بالرِّسالة { منهم مَنْ كلَّم الله } وهو موسى
عليه السَّلام { ورفع بعضهم درجات } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم أُرسل إلى النَّاس كافَّةً
{ وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس } مضى تفسيره، { ولو
شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم } أَيْ: من بعد الرُّسل { من بعد ما جاءتهم
البينات } من بعد ما وضحت لهم البراهين { ولكن اختلفوا فمنهم مَنْ آمن } ثبت
على إيمانه { ومنهم مَنْ كفر } كالنَّصارى بعد المسيح اختلفوا فصاروا فِرقاً، ثمَّ
تحاربوا { ولو شاء الله ما اقتتلوا } كرَّر ذكر المشيئة باقتتالهم تكذيباً لمن زعم أنَّهم
فعلوا ذلك من عند أنفسهم، لم يجرِ به قضاءٌ من الله { ولكنَّ الله يفعل ما يريد }
فيوفِّقُ مَنْ يشاء فضلاً، ويخذل من يشاء عدلاً.
{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا ممَّا رزقناكم } أَي: الزَّكاة المفروضة، وقيل: أراد
النَّفقة في الجهاد { من قبل أن يأتي يومٌ لا بيع فيه } يعني: يوم القيامة. يعني:
لا يؤخذ في ذلك اليوم بدَلٌ ولا فداءٌ { ولا خلة } ولا صداقةٌ { ولا شفاعة } عمَّ
نفي الشَّفاعة لأنَّه عنى الكافرين بأنَّ هذه الأشياء لا تنفعهم، ألا ترى أنَّه قال:
{ والكافرون هم الظالمون } أَيْ: هم الذين وضعوا أمر الله في غير موضعه.
{ الله لا إله إلاَّ هو الحي } الدَّائم البقاء { القيوم } القائم بتدبير أمر الخلق في
إنشائهم وأرزاقهم { لا تأخذه سنة } وهي أوَّل النُّعاس { ولا نوم } وهو الغشية
الثَّقيلة { له ما في السموات وما في الأرض } مِلكاً وخلقاً { مَنْ ذا الذي يشفع عنده
إلاَّ بإذنه } أَيْ: لا يشفع عنده أحدٌ إلاَّ بأمره، إبطالاً لزعم الكفَّار أنَّ الأصنام تشفع
لهم { يعلم ما بين أيديهم } من أمر الدُّنيا { وما خلفهم } من أمر الآخرة. { ولا
يحيطون بشيء من علمه } أَيْ: لا يعلمون شيئاً من معلوم الله تعالى: { إلاَّ بما
شاء } إلاَّ بما أنبأ الله به الأنبياء وأطلعهم عليه { وسع كرسيه السموات والأرض }
أي: احتملهما وأطاقهما. يعني: ملكه وسلطانه. وقيل: هو الكرسيُّ بعينه، وهو
مشتمل بعظمته على السَّموات والأرض. وروي عن ابن عباس أنَّ كرسيه علمه.
{ ولا يَؤُوْدُهُ } أَيْ: لا يُجهده ولا يُثقله { حفظهما } أَيْ: حفظ السَّموات والأرض
{ وهو العليُّ } بالقدرة ونفوذ السُّلطان عن الأشباه والأمثال { العظيم } عظيم
الشَّأن.