{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} نزلت في العباس وعثمان
رضي الله عنهما طلباً رباً لهما كانا قد أسلفا قبل نزول التَّحريم، فلمَّا نزلت هذه
الآية سمعا وأطاعا، وأخذا رؤوس أموالهما، ومعنى الآية: تحريم ما بقي ديناً من
الرِّبا، وإيجاب أخذ رأس المال دون الزِّيادة على جهة الرِّبا، وقوله: {إن كنتم
مؤمنين} أَيْ: إنَّ مَنْ كان مؤمناً فهذا حكمه.
{فإن لم تفعلوا} فإن لم تذروا ما بقي من الرِّبا {فأذنوا} فاعلموا {بحرب من الله
ورسوله} أَيْ: فأيقنوا أنَّكم في امتناعكم من وضع ذلك حربٌ لله ورسوله {وإن
تبتم} عن الرِّبا {فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون} بطلب الزِّيادة {ولا تُظلمون}
بالنُّقصان عن رأس المال.
{وإنْ كان ذو عسرة} أَيْ: وإن وقع غريم ذو عسرة] {فنظرةٌ} أَيْ: فعليكم نظرةٌ،
أَيْ: تأخيرٌ {إلى ميسرة} إلى غنىً ووجود المال {وأن تصدقوا} على المعسرين
برأس المال {خيرٌ لكم}.
{واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} يعني: يوم القيامة تُرَدُّون فيه إلى الله {ثمَّ توفى
كلُّ نفسٍ ما كسبت} أَيْ: جزاء ما كسبت من الأعمال {وهم لا يظلمون}
لا ينقصون شيئاً، فلمَّا حرَّم الله تعالى الرِّبا أباح السِّلَم فقال:
{يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مُسمَّىً} أَيْ: تبايعتم بدين
{فاكتبوه} أمرَ الله تعالى في الحقوق المؤجَّلة بالكتابة والإِشهاد في قوله:
{واشهدوا إذا تبايعتم} حفظاً منه للأموال ثمَّ نسخ ذلك بقوله: {فإن أمن
بعضكم بعضاً...} الآية. {وليكتب بينكم} بين المُستدين والمدين {كاتب
بالعدل} بالحقِّ والإِنصاف، ولا يزيد في المال والأجل ولا ينقص منهما:
{ولا يَأْبَ كاتبٌ أن يكتب} أي: لا يمتنع من ذلك إذا أُمر وكانت هذه عزيمةً
من الله واجبة على الكاتب والشَّاهد، فنسخها قوله: {ولا يضارَّ كاتب ولا
شهيدٌ} ثمَّ قال: {كما علَّمه الله فليكتب} أَيْ: كما فضَّله الله بالكتابة {وليملل
الذي عليه الحق} أَيْ: الذي عليه الدِّين يملي؛ لأنَّه المشهود عليه فيقرُّ على نفسه
بلسانه ليعلم ما عليه {ولا يَبْخَسْ منه شيئاً} أُمِرَ أَنْ يُقِرَّ بمبلغ المال من غير نقصان
{فإن كان الذي عليه الحقُّ} [أي: الدَّين] {سفيهاً} طفلاً {أو ضعيفاً} عاجزاً
أحمق {أو لا يستطيع أن يملَّ هو} لخرسٍ أو لعيٍّ {فليملل وليه} وارثه أو مَنْ
يقوم مقامه {بالعدل} بالصدق والحقِّ {واستشهدوا} وأشهدوا {شهيدين من
رجالكم} أَيْ: من أهل ملَّتكم من الأحرار البالغين، وقوله: {ممن ترضون من
الشهداء} أَيْ: من أهل الفضل والدِّين {أن تضلّ أحداهما} تنسى إحداهما
{فتذكر إحداهما الأخرى} الشَّهادة {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} لتحمُّل
الشَّهادة وأدائها {ولا تسأموا أن تكتبوه} لا يمنعكم الضَّجر والملالة أن تكتبوا
ما أشهدتم عليه من الحقِّ {صغيراً أو كبيراً إلى أجله} إلى أجل الحقِّ {ذلكم}
أَيْ: الكتابة {أقسط} أعدل {عند الله} في حمكه {وأقوم} أبلغ في الاستقامة
{للشهادة} لأنَّ الكتاب يُذكِّر الشُّهود، فتكون شهادتهم أقوم {وأدنى ألا ترتابوا}
أيْ: أقرب إلى أن لا تشكُّوا في مبلغ الحقِّ والأجل {إلاَّ أن تكون} تقع {تجارة
حاضرة} أَيْ: متجرٌ فيه حاضر من العروض وغيرها ممَّا يتقابض، وهو معنى
قوله: {تديرونها بينكم} وذلك أنَّ ما يُخاف في النَّساء والتأجيل يؤمن في البيع
يداً بيدٍ، وذلك قوله: {فليس عليكم جناحٌ إلاَّ تكتبوها وأَشْهِدوا إذا تبايعتم} قد
ذكرنا أنَّ هذا منسوخ الحكم فلا يجب ذلك {ولا يضارَّ كاتب ولا شهيد} نهى الله
تعالى الكاتب والشَّاهد عن الضِّرار، وهو أن يزيد الكاتب أو ينقص أو يحرِّف، وأن يشهد الشَّاهد بما لم يُستشهد عليه، أو يمتنع من إقامة الشَّهادة {وإنْ تفعلوا}
شيئاً من هذا {فإنه فسوق بكم}.