{وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً...} الآية، أمر الله تعالى عند عدم الكاتب
بأخذ الرَّهن ليكون وثيقةً بالأموال، وذلك قوله: {فَرِهَانٌ مقبوضة} أَيْ: فالوثيقةُ
رهنٌ مقبوضةٌ {فإن أَمن بعضكم بعضاً} أَيْ: لم يخف خيانته وجحوده الحقَّ
{فليؤدّ الذي اؤتمن} أَيْ: أُمن عليه {أمانته وليتق الله ربه} بأداء الأمانة {ولا
تكتموا الشهادة} إذا دُعيتم لإِقامتها {ومن يكتمها فإنه آثمٌ} فاجرٌ {قلبه}.
{لله ما في السموات وما في الأرض} ملكاً، فهو مالك أعيانه {وإن تبدوا ما في
أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} "لمَّا نزل هذا جاء ناس من الصَّحابة إلى
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: كُلِّفنا من العمل ما لا نطيق، إن أحدنا ليحدِّث نفسه بما لا يحبُّ
أن يثبت في قلبه، فنحن نحاسب بذلك؟ فقال النبيُّ: فلعلَّكم تقولون كما
قالت بنو إسرائيل: سمعنا وعصينا، وقولوا: سمعنا وأطعنا فقالوا: سمعنا وأطعنا" ،
فأنزل الله تعالى الفرج بقوله: {لا يكلِّف الله نفساً إلاَّ وسعها} فنسخت هذه الآية
ما قبلها، وقيل: إنَّ هذا في كتمان الشَّهادة وإقامتها، ومعنى قوله: {يحاسبكم
به الله} يخبركم به ويُعرِّفكم إيَّاه.
{آمن الرسول...} الآية، لمَّا ذكر الله تعالى في هذه السُّورة الأحكام والحدود،
وقصص الأنبياء وآيات قدرته، ختم السورة بذكر تصديق نبيِّه عليه السَّلام
والمؤمنين بجميع ذلك، {لا نفرق بين أحد} أَيْ: يقولون: لا نفرِّق بين أحد من
رسله كما فعل أهل الكتاب، آمنوا ببعض الرُّسل وكفروا ببعض، بل نجمع بينهم
في الإِيمان بهم {وقالوا سمعنا} قوله {وأطعنا} أمره {غفرانك} أَيْ: اغفر
غفرانك.
{لا يكلف الله نفساً إلاَّ وسعها} ذكرنا أنَّ هذه الآية نسخت ما شكاه المؤمنون من
المحاسبة بالوسوسة وحديث النَّفس {لها ما كسبت} [من العمل بالطاعة]
{وعليها ما اكتسبت} [من العمل بالإثم] أَيْ: لا يُؤَاخَذ أحدٌ بذنب غيره {ربنا
لا تؤاخذنا} أَيْ: قولوا ذلك على التَّعليم للدُّعاء، ومعناه: لا تعاقبنا إن نسينا.
كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئاً ممَّا شرع لهم عُجِّلت لهم العقوبة بذلك، فأمر الله
نبيَّه والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك {أو أَخْطأْنا} تركنا الصَّواب:
{ربنا ولا تحمل علينا إصراً} أَيْ: ثقلاً، والمعنى: لا تحمل علينا أمراً يثقل
{كما حملته على الذين من قبلنا} نحو ما أُمر به بنو إسرائيل من الأثقال التي
كانت عليهم {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} أَيْ: لا تعذِّبنا بالنَّار {أنت
مولانا} [ناصرنا] والذي تلي علينا أمورنا {فانصرنا على القوم الكافرين} في
إقامة حجَّتنا وغلبتنا إيَّاهم في حربه، وسائر أمورهم حتى يظهر ديننا على الدِّين
كلِّه كما وعدتنا.