التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
٧٤
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
٧٥
وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٧٦
أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
٧٧
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ
٧٨
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ
٧٩
-البقرة

{ ثم قست قلوبكم } يا معشر اليهود، أَي: اشتدَّت وصلبت { من بعد ذلك } من بعد هذه الآيات التي تقدَّمت من المسخ ورفع الجبل فوقهم، وانبجاس الماء من الحجرِ، وإحياء الميت بضرب عضوٍ، وهذه الآيات ممَّا يصدِّقون بها { فهي كالحجارة } في القسوة وعدم المنفعة؛ بل { أشد قسوة } وإنَّما عنى بهذه القسوة تركهم الإِيمان بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفوا صدقه، وقدرةَ الله تعالى على عقابهم بتكذيبهم إيَّاه، ثمَّ عذر الحجارة وفضَّلها على قلوبهم فقال: { وإنَّ من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإنَّ منها لما يشقَّق فيخرج منه الماء وإنَّ منها لما يهبط } ينزل من علوٍ إلى أسفلٍ { من خشية الله } . قال مجاهدٌ: كلُّ حجرٍ تفجَّر منه الماء، أو تشقَّق عن ماء]، أو تردَّى من رأس جبلٍ فهو من خشية الله تعالى، نزل به القرآن. ثمَّ أوعدهم فقال: { وما الله بغافلٍ عمَّا تعملون } ثمَّ خاطب النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فقطع طمعهم عن إيمانهم، فقال:
{ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } وحالهم أنَّ طائفةً منهم كانوا { يسمعون كلام الله } يعني التَّوراة { ثم يحرفونه } يُغيِّرونه عن وجهه. يعني: الذين غيَّروا أحكام التَّوراة، وغيَّروا آية الرَّجم، وصفة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { من بعد ما عقلوه } أَيْ: لم يفعلوا ذلك عن نسيانٍ وخطأٍ، بل فعلوه عن تعمُّدٍ { وهم يعلمون } أنَّ ذلك مَكْسَبةٌ للأوزار.
{ وإذا لقوا الذين آمنوا } يعني: منافقي اليهود { قالوا آمنا } بمحمَّدٍ، وهو نبيٌّ صادقٌ نجده في كتبنا { وإذا خلا بعضهم إلى بعض } يعني: إذا رجع هؤلاء المنافقون إلى رؤسائهم لاموهم فقالوا: { أتحدثونهم } أتخبرون أصحاب محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - { بما فتح الله عليكم } من صفة النَّبيِّ المُبشَّر به { ليحاجُّوكم } ليجادلوكم ويخاصموكم { به } بما قلتم لهم { عند ربكم } في الآخرة، يقولون: كفرتم به بعد أن وقفتم على صدقة { أفلا تعقلون } أفليس لكم ذهن الإنسانيَّة؟ فقال الله تعالى:
{ أولا يعلمون أنَّ الله يعلم ما يسرون } من التَّكذيب، يعني: هؤلاء المنافقين { وما يعلنون } من التَّصديق.
{ ومنهم } ومن اليهود { أميُّون } لا يكتبون ولا يقرؤون { لا يعلمون الكتاب إلاَّ أمانيّ } إلاَّ أكاذيب وأحاديثَ مُفتعلةً يسمعونها من كبرائهم { وإن هم إلاَّ يظنون } أَيْ: إلاَّ ظانِّين ظنَّاً وتوهُّماً، فيجحدون نُبُوَّتَكَ بالظَّنِّ.
{ فويلٌ } فشدَّةُ عذابٍ { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } أَيْ: من قِبَلِ أنفسهم من غير أن يكون قد أُنزل { ثم يقولون هذا من عند الله } الآية. يعني اليهود، عمدوا إلى صفة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وكتبوا صفته على غير ما كانت في التَّوراة، وأخذوا عليه الأموال فذلك قوله تعالى: { وويلٌ لهم ممَّا يكسبون } [من حُطَام الدُّنيا] فلمَّا أوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنَّار عند تكذيبهم إيَّاه.