{ثمَّ تولَّ عنهم} أَيْ: استأخر غير بعيدٍ {فانظر ماذا يرجعون} ما يردُّون من
الجواب، فمضى الهدهد، وألقى إليها الكتاب، فـ
{قالت يا أيها الملأ إني ألقي إليَّ كتاب كريم} حسنٌ ما فيه، ثمَّ بيَّنت ما فيه
فقالت:
{إنَّه من سليمان وإنَّه بسم الله الرحمن الرحيم}.
{ألا تعلوعليَّ} أَيْ: لا تترفَّعوا عليَّ وإن كنتم ملوكاً {وأتوني مسلمين} طائعين
مُنقادين.
{قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري} بيِّنوا لي ما أعمل {ما كنت قاطعة} قاضيةً
وفاصلةً {أمراً حتى تشهدون} حتى تحضرون، أَيْ: لا أقطع أمراً دونكم.
{قالوا} مُجيبين لها: {نحن أولواْ قوَّة} في القتال {وأولواْ بأس شديد} عند
الحرب {والأمر إليك} أيَّتها الملكة {فانظري ماذا تأمرين} نُطِعْك.
{قالت إنَّ الملوك إذا دخلوا قرية} عنوةً وغلبةً {أفسدوها} خرَّبوها {وجعلوا
أعزَّة أهلها أذلة} أهانوا أشرافها بها؛ ليستقيم لهم الأمر، أشارت إلى أنَّها
لو جاءت سليمان محاربةً احتاجت إلى التَّخريب والإِفساد، وصدَّقها الله سبحانه
في قولها فقال: {وكذلك يفعلون}.
{وإني مرسلة إليهم بهدية} أُصانعه بها وأختبره أملكٌ هو أم نبيٌّ؟ فإن كان ملكاً
قبلها، وإن كان نبيّاً لم يقبلها {فناظرة بِمَ} بأيِّ شيءٍ {يرجع المرسلون} من عنده.
{فلما جاء} البريد أو الرَّسول {سليمان قال أتمدونني بمالٍ فما آتاني الله} من
الدِّين والنُّبوَّة والحكمة {خيرٌ مما آتاكم} من الدُّنيا {بل أنتم بهديتكم تفرحون}
لأنَّهم أهل مكاثرة بالدُّنيا، ثمَّ قال للرَّسول:
{ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم} لا طاقة لهم {بها ولنخرجنَّهم منها}
من أرضهم {أذلة}، فجاءها الرَّسول وأخبرها بما رأى وشاهد، فتجهَّزت للمسير
إلى سليمان، فلمَّا علم سليمان عليه السَّلام بمسيرها إليه.
{قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها} سريرها {قبل أن يأتوني مسلمين} لأنَّه
حينئذٍ لا يحلُّ أخذ ما في أيديهم.