[ {إنَّ الذين اشتروا الكفر بالإِيمان} أَيْ: استبدلوا. كرَّر {لن يضروا الله شيئاً}
لأنَّه ذكره في الأول عن طريق العلة لما يجب من التَّسلية عن المسارعة إلى
الضَّلالة، وذكره في الثاني على طريق العلة لاختصاص المضرة بالعاصي دون
المعصي].
{ولا يحسبنَّ الذين كفروا أنَّما نُملي لهم} أَيْ: أنَّ إملاءنا - وهو الإِمهال
والتأخير - {خيرٌ لأنفسهم إنما نملي لهم} أَيْ: نُطوِّل أعمارهم ليزدادوا إثماً
لمعاندتهم الحق، وخلافهم الرَّسول، نزلت الآية في قومٍ من الكفَّار علم الله تعالى
أنَّهم لا يؤمنون أبداً. وأنَّ بقاءهم يزيدهم كفراً.
{ما كانَ الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} أَيُّها المؤمنون من التباس المنافق
بالمؤمن {حتى يميز الخبيث من الطيب} أََيْ: المنافق من المؤمن، ففعل ذلك
يوم أُحدٍ، لأنَّ المنافقين أظهروا النِّفاق بتخلُّفهم {وما كان الله ليطلعكم على
الغيب} فتعرفوا المنافق من المؤمن قبل التَّمييز {ولكنَّ الله} يختار لمعرفة ذلك
مَن يشاء من الرُّسل، وكان محمَّد ممَّن اصطفاه الله بهذا العلم.
{ولا يحسبنَّ الذين يبخلون} أَيْ: بخل الذين يبخلون {بما آتاهم الله منْ فضله}
بما يجب فيه من الزَّكاة. نزلت في مانعي الزَّكاة {هو خيراً لهم} أَيْ: البخلَ
خيراً لهم {بل هو شرٌّ لهم} لأَنَّهم يستحقُّون بذلك عذاب الله {سيطوقون ما بخلوا
به يوم القيامة} وهو أنَّه يُجعل ما بَخِل به من المال حيَّةً يُطوَّقها في عنقه تنهشه من
قرنه إلى قدمه {ولله ميراث السموات والأرض} أَيْ: إنَّه يُغني أهلهما، وتبقى
الأملاك والأموال لله، ولا مالك لها إلاَّ الله تعالى.
{لقد سمع الله قول الذين قالوا إنَّ الله فقير ونحن أغنياء} نزلت في اليهود حين
قالوا - لمَّا نزل قوله: {مَنْ ذا الذي يقرض الله قرضاً...} الآية -: إنَّ الله فقيرٌ
يستقرضنا، ونحن أغنياء، ولو كان غنيَّاً ما استقرضنا أموالنا {سنكتب ما قالوا}
أَيْ: نأمر الحفظة بإثبات ذلك في صحائف أعمالهم... الآية.
{ذلك} أَيْ: ذلك العذاب {بما قدَّمت أيديكم} بما سلف من إجرامكم {وأنَّ الله} وبأن الله {ليس بظلام للعبيد} فيعاقبهم بغير جرمٍ.
{الذين قالوا إنَّ الله عهد إلينا...} أَيْ: اليهود، وذلك أنَّ الله أمر بني إسرائيل
في التَّوراة ألا يُصدقوا رسولاً جاءهم حتى يأتيهم بقربانٍ تأكله النَّار إلاَّ المسيحَ
ومحمداً عليهما السَّلام، فكانوا يقولون لمحمَّد عليه السَّلام: لا نُصدِّقك حتى
تأتينا بقربان تأكله النَّار، لأنَّ الله عهد إلينا ذلك، فقال الله تعالى لمحمد عليه
السَّلام إقامةً للحجَّة عليهم: {قل قد جاءكم رسلٌ من قبلي...} الآية، ثمَّ عزَّى
النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم.