{ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } هذا تكذيبٌ لبعض مَنْ قال من
الكافرين: إنَّ لي قلبين أفهم بكلِّ واحدٍ منهما أكثر ممَّا يفهم محمد، فأكذبه الله
تعالى. قيل: إنَّه ابن خطل { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتهم }
لم يجعل نساءكم اللائي تقولون: هنَّ علينا كظهور أمهاتنا في الحرام كما تقولون،
وكان هذا من طلاق الجاهليَّة، فجعل الله في ذلك كفَّارة { وما جعل أدعياءكم }
مَنْ تبنَّيتموه { أبناءكم } في الحقيقة كما تقولون { ذلكم قولكم بأفواهكم } قولٌ
بالفم لا حقيقة له { والله يقول الحق } وهو أنَّ غير الابن لا يكون ابناً { وهو يهدي
السبيل } أَيْ: السَّبيل المستقيم.
{ ادعوهم لآبائهم } أَيْ: انسبوهم إلى الذين ولدوهم { هو أقسط عند الله }
أعدل عند الله { فإن لم تعلموا آباءهم } مَنْ هم { فإخوانكم في الدين } أي فهم
إخوانكم في الدِّين { ومواليكم } وبنو عمّكم. وقيل: أولياؤكم في الدِّين { وليس
عليكم جُنَاحٌ فيما أخطأتم به } وهو ن يقول لغير ابنه: يا بنيَّ من غير تَعَمُّدٍ أن
يجريه مجرى الولد في الميراث، وهو قوله: { ولكن ما تعمَّدت قلوبكم } يعني:
ولكنَّ الجُناح في الذي تعمَّدت قلوبكم.
{ النبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم } إذا دعاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى شيءٍ، ودعتهم
أنفسهم إلى شيءٍ كانت طاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم أولى. { وأزواجه أمهاتهم } في حرمة
نكاحهنَّ عليهم { وأولوا الأرحام } والأقارب { بعضهم أولى ببعض } في الميراث
{ في كتاب الله } في حكمه { من المؤمنين والمهاجرين } وذلك أنَّهم كانوا في
ابتداء الإِسلام يرثون بالإِيمان والهجرة { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً } لكن
إن يوصوا له بشيءٍ من الثُّلث فهو جائزٌ { كان ذلك في الكتاب مسطوراً } كان
هذا الحكم في اللَّوح المحفوظ مكتوباً.
{ وإذا أخذنا } واذكر إذ أخذنا { من النبيّين ميثاقهم } على الوفاء بما حملوا، وأن
يُصدِّق بعضهم بعضاً.
{ ليسأل الصادقين عن صدقهم } المُبلِّغين من الرُّسل عن تبليغهم، وفي تلك
المسألة تبكيتٌ للكفَّار { وأعدَّ للكافرين } بالرُّسل { عذاباً أليماً }.
{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود } يعني: الأحزاب،
وهم قريش وغطفان وقُريظة والنَّضير، حاصروا المسلمين أيَّام الخندق { فأرسلنا
عليهم ريحاً } [وهي الصَّبا] كفأت قدورهم، وقلعت فساطيطهم { وجنوداً
لم تروها } وهم الملائكة { وكان الله بما تعملون } من حفر الخندق { بصيراً }.
{ إذ جاؤوكم من فوقكم } من قبل المشرق، يعني: قُريظة والنَّضير، { ومن أسفل
منكم } قريشٌ من ناحية مكَّة { وإذ زاغت الأبصار } مالت وشخصت، وتحيَّرت
لشدَّة الأمر وصعوبته عليكم { وبلغت القلوب الخناجر } ارتفعت إلى الحلوق لشدَّة
الخوف { وتظنون بالله الظنونا } ظنَّ المنافقون أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يُستأصلون،
وأيقن المؤمنون بنصر اللَّهِ.
{ هنالك } في تلك الحال { ابتلي المؤمنون } اختبروا ليتبيَّن المخلص من المنافق { وزلزلوا } وحرِّكوا وخُوِّفوا.
{ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض } شكٌّ ونفاقٌ: { ما وعدنا الله
ورسوله إلاَّ غرورا } إذْ وعدنا أنَّ فارس والرُّوم يُفتحان علينا.
{ وإذ قالت طائفة منهم } من المنافقين: { يا أهل يثرب } يعني: المدينة { لا مقام
لكم } لا مكان لكم تُقيمون فيه { فارجعوا } إلى منازلكم بالمدينة، أمروهم بترك
رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذلانه، وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان قد خرج من المدينة إلى سلع
لقتال القوم { ويستأذن فريقٌ منهم } من المنافقين { النبيَّ } في الرُّجوع إلى
منازلهم { يقولون إنَّ بيوتنا عورة } ليست بحصينةٍ، نخاف عليها العدوِّ، قال الله
تعالى: { وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً } من القتال.
{ ولو دخلت عليهم } لو دخل عليهم هؤلاء الذين يريدون قتالهم المدينة { من
أقطارها } جوانبها { ثمَّ سئلوا الفتنة } سألتهم الشِّرك بالله { لأتوها } لأعطوا مرادهم
{ وما تلبثوا بها إلاَّ يسيراً } وما احتبسوا عن الشِّرك إلا يسيراً، أَيْ: لأسرعوا
الإجابة إليه.