{ فأعرضوا } عن أمر الله تعالى بتكذيب الرُّسل { فأرسلنا عليهم سيل العرم } وهو
السِّكْر الذي يحبس الماء، وكان لهم سِكْرٌ يحبس الماء عن جنَّتيهم، فأرسل الله
تعالى فيه جرذاناً ثقبته، فانبثق الماء عليهم، فغرق جنَّاتهم { وبدلناهم بجنَّتيهم جنتين ذواتىٰ أُكُلٍ خمط } أَيْ: ثمرٍ مُرٍّ { وأثل } وهو الطَّرفاء { وشيء من سدر
قليل } وذلك أنَّ الله تعالى أهلك أشجارهم المثمرة، وأنبت بدلها الأراك والطَّرفاء
والسِّدر.
{ ذلك جزيناهم بما كفروا } أَيْ: جزيناهم ذلك الجزاء بكفرهم { وهل نجازي إلاَّ
الكفور } بسوء عمله، وذلك أنَّ المؤمن تُكفَّر عنه سيئاته، والكافر يُجازى بكلِّ
سوءٍ يعمله.
{ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها } يعني: قرى الشَّام، { قرى ظاهرة }
متواصلةً، يُرى من هذه القرية القرية الأخرى، فكانوا يخرجون من سبأ إلى الشَّام،
فيمرُّون على القرى العامرة { وقدرنا فيها السير } جعلنا سيرَهم بمقدارٍ، إذا غدا
أحدهم من قريةٍ قال في أخرى، وإذا راح من قريةٍ أوى إلى أخرى، وقلنا لهم:
{ سيروا فيها } في تلك القرى { ليالي وأياماً } أَيَّ وقت شئتم من ليلٍ أو نهارٍ
{ آمنين } لا تخافون عدوَّاً ولا جوعاً ولا عطشاً.
{ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا } وذلك أنَّهم سئموا الرَّاحة، وبطروا النِّعمة فتمنَّوا
أن تتباعد قراهم ليبعد سفرهم بينها { وظلموا أنفسهم } بالكفر والبطر { فجعلناهم
أحاديث } لمَنْ بعدهم يتحدَّثون بقصَّتهم { ومزَّقناهم كلَّ ممزق } وفرَّقناهم في
البلاد، فصاروا يُتمثَّل بهم في الفُرقة، وذلك أنَّهم ارتحلوا عن أماكنهم وتفرَّقوا في
البلاد { إنَّ في ذلك } الذي فعلنا { لآيات لكلّ صبار شكور } أَيْ: لكلِّ مؤمنٍ؛
لأنَّ المؤمن هو الذي إذا ابتُليَ صبر، وإذا أُعطيَ شكر.