{ أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض } يقول: أما يعلمون
أنَّهم حيث ما كانوا فهم يرون ما بين أيديهم من الأرض والسَّماء مثل الذي
خلفهم، وأنَّهم لا يخرجون منها، فكيف يأمنون؟! { إن نشأ نخسف بهم الأرض
أو نسقط عليهم كسفاً من السماء } عذاباً { إنَّ في ذلك لآية لكلِّ عبدٍ منيب }
لعلامةً تدلُّ على قدرة الله سبحانه على إحياء الموتى لكلِّ مَنْ أناب إلى الله تعالى،
وتأمَّل ما خلق الله سبحانه.
{ ولقد آتينا داود منَّا فضلاً } ثمَّ بيَّن ذلك فقال: { يا جبال } أَيْ: قلنا يا جبال
{ أوّبي معه } سبِّحي معه { والطير } كان إذا سبَّح جاوبته الجبال بالتَّسبيح،
وعكفت عليه الطَّير من فوقه تسعده على ذلك { وألنا له الحديد } جعلناه ليِّناً في
يده، كالطِّين المبلول والعجين، وقلنا له:
{ أن اعمل سابغات } دروعاً كوامل { وقدِّر في السرد } لا تجعل مسمار الدِّرع
دقيقاً فيفلق، ولا غليظاً فيفصم الحلق. اجعله على قدر الحاجة، والسَّرْد: نسج
الدُّروع { واعملوا } يعني: داود وآله { صالحاً } عملاً صالحاً من طاعة الله تعالى.
{ ولسليمان الرِّيح } وسخَّرنا له الرِّيح { غدوها شهر } مسيرها إلى انتصاف النَّهار
مسيرة شهر، ومن انتصاف النَّهار إلى اللَّيل مسيرة شهر، وهو قوله: { ورواحها
شهر وأسلنا له عين القطر } أذبنا له عين النُّحاس، فسالت له كما يسيل الماء
{ ومن الجنِّ } أَيْ: سخَّرنا له من الجنِّ { مَنْ يعمل بين يديه بإذن ربه } بأمر ربه
{ ومَنْ يزغ } يمل ويعدل { منهم عن أمرنا } الذي أمرناه به من طاعة سليمان
{ نذقه من عذاب السعير } وذلك أنَّ الله تعالى وكَّل بهم ملكاً بيده سوطٌ من نار،
فمن زاغ عن أمر سليمان ضربه ضربةً أحرقته.
{ يعملون له ما يشاء من محاريب } مجالس ومساكن ومساجد { وتماثيل } صور
الأنيباء؛ إذ كانت تصوَّر في المساجد ليراها النَّاس، ويزدادوا عبادة { وجفانٍ }
قصاعٍ كبارٍ { كالجوابِ } كالحياض التي تجمع الماء { وقدور راسيات } ثوابت
لا تحرَّكن عن مكانها لعظمه، وقلنا: { اعملوا } بطاعة الله يا { آل داود شكراً } له
على نعمه.