{ يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } إذ كنت موعودَ النَّصر
عليهم، وهم المنافقون، وبان لهم ذلك بقوله: { من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم
تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون } أَيْ: فريقٌ سمَّاعون { للكذب } يسمعون
منك ليكذبوا عليك، فيقولون: سمعنا منه كذا وكذا لما لمْ يسمعوا { سماعون
لقوم آخرين لم يأتوك } أَيْ: هم عيونٌ لأولئك الغُيَّب ينقلون إليهم أخبارك
{ يحرفون الكلم من بعد مواضعه } من بعد أن وضعه الله مواضعه. يعني: آية
الرَّجم. { يقولون: إن أوتيتم هذا فخذوه } يعني: يهود خيبر بالجلد، وهم الذين
ذكروا في قوله: { لقوم آخرين لم يأتوك } وذلك أنَّهم بعثوا إلى قريظة ليستفتوا
محمداً صلى الله عليه وسلم في الزَّانيين المحصنين، وقالوا لهم: إنْ أفتى بالجلد فاقبلوا، وإن أفتى
بالرَّجم فلا تقبلوا، فذلك قوله: { إن أوتيتم هذا } يعني: الجلد { فخذوه }
فاقبلوه { وإن لم تؤتوه فاحذروا } أن تعملوا به { ومن يرد الله فتنته } ضلالته
وكفره { فلن تملك له من الله شيئاً } لن تدفع عنه عذاب الله { أولئك الذين } أَيْ:
مَنْ أراد الله فتنته فهم الذين { لم يرد الله أن يطهر قلوبهم } أن يُخلِّص نيَّاتهم { لهم
في الدنيا خزيٌ } بهتك ستورهم { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } وهو النَّار.
{ سماعون للكذب أكالون للسحت } وهو الرِّشوة في الحكم. يعني: حكَّام
اليهود، يسمعون الكذب ممَّنْ يأتيهم مُبطلاً، ويأخذون الرِّشوة منه فيأكلونها { فإن
جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } خيَّر الله نبيَّه في الحكم بين أهل الكتاب إذا
تحاكموا إليه، ثمَّ نسخ ذلك بقوله: { وأن احكم بينهم... } الآية.
{ وكيف يحكمونك } عجَّب الله نبيَّه عليه السَّلام من تحكيم اليهود إيَّاه بعد علمهم
بما في التَّوراة من حكم الزَّاني وحدِّه، وقوله: { فيها حكم الله } يعني: الرَّجم
{ ثمَّ يتولون من بعد ذلك } التَّحكيم فلا يقبلون حكمك بالرَّجم { وما أولئك }
الذين يُعرِضون عن الرَّجم { بالمؤمنين }.