التفاسير

< >
عرض

وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٢
لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
٦٣
وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ
٦٤
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ
٦٥
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ
٦٦
يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ
٦٧
قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٦٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦٩
-المائدة

{ وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان } يجترئون على الخطأ والظُّلم، ويبادرون إليه { وأكلهم السُّحت } ما كانوا يأخذونه من الرَّشا على كتمان الحقِّ، ثمَّ ذمَّ فعلهم بقوله: { لبئس ما كانوا يعملون }.
{ لولا } [هلاَّ] { ينهاهم } عن قبح فعلهم { الربانيون والأحبار } علماؤهم وفقهاؤهم { لبئس ما كانوا يصنعون } حين تركوا النَّكير عليهم.
{ وقالت اليهود يد الله مغلولة } مقبوضةٌ عن العطاء وإسباغ النِّعم علينا. قالوا هذا حين كفَّ الله تعالى عنهم بكفرهم بمحمَّد عليه السَّلام ما كان يسلِّط عليهم من الخِصب والنِّعمة، فقالوا - لعنهم الله على جهة الوصف بالبخل -: { يد الله مغلولة } وقوله: { غلت أيديهم } أَيْ: جعلوا بخلاء وأُلزموا البخل، فهم أبخل قوم { ولعنوا بما قالوا } عُذِّبوا في الدُّنيا بالجِزية [والذلَّة والصَّغار، والقحط والجلاء]، وفي الآخرة بالنَّار { بل يداه مبسوطتان } قيل: معناه: الوصف بالمبالغة في الجود والإِنعام. وقيل: معناه: نِعمُه مبسوطةٌ، ودلَّت التَّثنية على الكثرة، كقولهم: [لبيك وسعديك]. وقيل: نعمتاه، أَيْ: نعمة الدُّنيا، ونعمة الآخرة { مبسوطتان ينفق كيف يشاء } يرزق كما يريد؛ إن شاء قتَّر، وإنْ شاء وسَّع { وليزيدَّن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً } كلَّما أنزل عليك شيءٌ من القرآن كفروا به، فيزيد كفرهم { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } بين طوائف اليهود، وجعلهم الله مختلفين متباغضين، كما قال:
{ { تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتَّى } { كلما أَوْقَدُوا ناراً للحرب أطفأها الله } كلَّما أرادوا محاربتك ردَّهم الله، وألزمهم الخوف { ويسعون في الأرض فساداً } يعني: يجتهدون في دفع الإِسلام، ومحو ذكر النبيِّ صلى الله عليه وسلم من كتبهم.
{ ولو أنَّ أهل الكتاب آمنوا } بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { واتقوا } اليهوديَّة والنصرانيَّة { لكفَّرنا عنهم سيئاتهم } كلَّ ما صنعوا قبل أن تأتيهم.
{ ولو أنهم أقاموا التوراة والإِنجيل } عملوا بما فيهما من التَّصديق بك { وما أنزل إليهم } من كتب أنبيائهم { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } لأنزلتُ عليهم القطر، وأخرجتُ لهم من نبات الأرض كلَّما أرادوا { منهم أمة مقتصدة } مؤمنةٌ.
{ يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك } أَيْ: لا تراقبنَّ أحداً، ولا تتركنَّ شيئاً ممَّا أُنزل إليك تخوُّفاً مِنْ أَنْ ينالك مكروهٌ. بلِّغ الجميع مجاهراً به { وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } إنْ كتمت آية ممَّا أنزلتُ إليك لم تبلِّغ رسالتي. يعني: إنَّه إنْ ترك بلاغ البعض كان كمَنْ لم يُبلِّغ { والله يعصمك من الناس } أن ينالوك بسوء. قال المفسرون: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يشفق على نفسه غائلة اليهود والكفَّار، وكان لا يُجاهرهم بعيب دينهم وسبِّ آلهتهم، فأنزل الله تعالى: { يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك } فقال: يا ربِّ، كيف أصنع وأنا واحدٌ أخاف أن يجتمعوا عليَّ؟ فأنزل الله تعالى: { وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إنَّ الله لا يهدي القوم الكافرين } لا يرشد مَنْ كذَّبك.
{ قل يا أهل الكتاب لستم على شيء } من الدِّين { حتى تُقيموا } حتى تعملوا بما في الكتابين من الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته، وباقي الآية مضى تفسيره إلى قوله: { فلا تأس على القوم الكافرين } يقول: لا تحزن على أهل الكتاب إنْ كذَّبوك.
{ إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا } سبق تفسيره في سورة البقرة.