{ثم آتينا} أَيْ: ثمَّ أُخبركم أنَّا آتينا {موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن} أَيْ:
على الذي أحسنه موسى من العلم والحكمة، وكتب الله المتقدِّمة، أَيْ: علمه،
ومعنى: {تماماً} على ذلك: أَيْ: زيادة عليه حتى تمَّ له العلم بما آتيناه
{وتفصيلاً} أَيْ: آتيناه للتَّمام والتفصيل، وهو البيان {لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون}
لكي يُؤمنوا بالبعث ويُصدِّقوا بالثَّواب والعقاب.
{وهذا كتابٌ} يعني: القرآن {أنزلناه مبارك} مضى تفسيره في هذه السُّورة.
{أن تقولوا} لئلا تقولوا: {إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} يعني:
اليهود والنَّصارى {وإن كنَّا عن دراستهم لغافلين} وما كنَّا إلاَّ غافلين عن تلاوة
كتبهم، والخطابُ لأهل مكَّة، والمرادُ: إثبات الحجَّة عليهم بإنزال القرآن على
محمَّد عليه السَّلام كيلا يقولوا يوم القيامة: إنَّ التَّوراة والإِنجيل أُنزلا على طائفتين
من قبلنا، وكنَّا غافلين عمَّا فيهما، وقوله:
{وصدف عنها} أَيْ: أعرض.
{هل ينظرون} إذا كذَّبوك {إلاَّ أن تأتيهم الملائكة} عند الموت لقبض أرواحهم،
وذكرنا معنى {ينظرون} في سورة البقرة {أو يأتي ربك} أَيْ: أمره فيهم بالقتل
{أو يأتي بعض آيات ربك} يعني: طلوع الشَّمس من مغربها، والمعنى: إنَّ هؤلاء
الذين كذَّبوك إمَّا أن يموتوا فيقعوا في العذاب، أو يؤمر فيهم بالسَّيف، أو يمهلون
قدر مدَّة الدُّنيا فيتوالدون ويتنعَّمون فيها، فإذا ظهرت أمارات القيامة {لا ينفع نفساً
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} قدَّمت طاعةً وهي مؤمنةٌ
{قل انتظروا} أحد هذه الأشياء {إنا منتظرون} بكم أحدها.
{إنَّ الذين فارقوا دينهم} يعني: اليهود والنَّصارى، أخذوا ببعض ما أُمروا،
وتركوا بعضه،كقوله إخباراً عنهم: {نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض} {وكانوا
شيعاً} أحزاباً مختلفة. بعضهم يُكفِّر بعضاً {لست منهم في شيء} يقول: لم تؤمر
بقتالهم، فلمَّا أُمر بقتالهم نُسخ هذا.
{من جاء بالحسنة} من عمل من المؤمنين حسنةً {فله عشر أمثالها} كتبت له
عشر حسناتٍ {ومَنْ جاء بالسيئة} الخطيئة {فلا يجزى إلاَّ مثلها} أَيْ: جزاءً مثلها
لا يكون أكثر منها {وهم لا يظلمون} لا ينقص ثواب أعمالهم.
{قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً} أَيْ: عرَّفني ديناً {قيماً} مستقيماً.
{قل إنَّ صلاتي ونسكي} عبادتي من حجِّي وقرباني {ومحياي ومماتي لله
رب العالمين} أَيْ: هو يحييني وهو يميتني، وأنا أتوجَّه بصلاتي وسائر المناسك إلى
الله، لا إلى غيره.