{ومنهم} ومن الكفَّار {من يستمع إليك} إذا قرأت القرآن {وجعلنا على قلوبهم
أكنَّة} أغطيةً {أن يفقهوهُ} لئلا يفهموه، ولا يعلموا الحقَّ {وفي آذانهم وقراً}
ثِقلاً وصمماً، فلا يعون منه شيئاً، ولا ينتفعون به {وإن يروا كلَّ آية} علامةٍ تدلُّ
على صدقك {لا يؤمنوا بها} هذا حالهم في البعد عن الإِيمان {حتى إذا جاؤوك
يجادلونك} [مخاصمين معك في الدِّين] {يقول الذين كفروا} مَنْ كفر منهم:
{إن هذا} ما هذا {إلاَّ أساطير الأوَّلين} أحاديث الأمم المتقدمة التي كانوا
يسطرونها في كتبهم.
{وهم ينهون} النَّاس عن اتَّباع محمد {وينأون} ويتباعدون {عنه} فلا يؤمنون
به {وإنْ} وما {يهلكون إلاَّ أنفسهم} بتماديهم في معصية الله تعالى {وما
يشعرون} وما يعلمون ذلك.
{ولو ترى} يا محمد {إذ وقفوا على النار} أَيْ: حُبسوا على الصِّراط فوق النَّار،
{فقالوا يا ليتنا نرد} تمنَّوا أن يردُّوا إلى الدُّنيا فيؤمنوا، وهو قوله: {ولا نكذب}
أَيْ: ونحن لا نكذِّب {بآيات ربنا} بعد المعاينة {ونكون من المؤمنين} ضمنوا
أنْ لا يُكذِّبوا ويؤمنوا، فقال الله تعالى:
{بل} ليس الأمر على ما تمنَّوا في الردِّ {بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل} وهو
أنَّهم أنكروا شركهم، فأنطق الله سبحانه جوارحهم حتى شهدت عليهم بالكفر،
والمعنى: ظهرت فضيحتهم في الآخرة، وتهتكت أستارهم {ولو ردوا لعادوا لما
نهوا} إلى ما نُهوا {عنه} من الشِّرك، للقضاء السَّابق فيهم بذلك، وأنَّهم خلقوا
للشَّقاوة {وإنهم لكاذبون} في قولهم: {ولا نكذِّب بآيات ربنا}.
{وقالوا} يعني: الكفار: {إن هي إلاَّ حياتنا الدنيا...} الآية. أنكروا البعث.
{ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} عرفوا ربَّهم ضرورة. وقيل: وقفوا على مسألة
ربِّهم وتوبيخه إيَّاهم، ويؤكِّد هذا قوله: {أليس هذا بالحق} أَيْ: هذا البعث،
فيقرُّون حين لا ينفعهم ذلك، ويقولون: {بلى وربنا} فيقول الله تعالى: {فذوقوا
العذاب بما كنتم تكفرون} بكفركم.
{قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} بالبعث والمصير إلى الله {حتى إذا جاءتهم
الساعة بغتة} فجأة {قالوا يا حسرتنا على ما فرَّطنا فيها} قصَّرنا وضيَّعنا عمل
الآخرة في الدُّنيا {وهم يحملون أوزارهم} أثقالهم وآثامهم {على ظهورهم}
وذلك أنَّ الكافر إذا خرج من قبره استقبله عمله أقبح شيءٍ صورةً، وأخبثه ريحاً،
فيقول: أنا عملك السَّيِّىء طال ما ركبتني في الدُّنيا، فأنا أركبك اليوم. {ألا
ساء ما يزرون} بئس الحمل ما حملوا.
{وما الحياة الدنيا إلاَّ لعبٌ ولهو} لأنَّها تفنى وتنقضي كاللَّهو واللَّعب، تكون لذَّةً
فانيةً عن قريبٍ {وللدار الآخرة} الجنَّة {خير للذين يتقون} الشِّرك {أفلا
تعقلون} أنَّها كذلك، فلا تَفْتُروا في العمل لها، ثمَّ عزَّى نبيَّه صلى الله عليه وسلم على تكذيب
قريش إيَّاه.