{ قال أوسطهم } أعدلهم وأفضلهم: { ألم أقل لكم لولا تسبحون } هلاَّ تستثنون،
ومعنى التَّسبيح ها هنا الاستثناء بإنْ شاء الله؛ لأنَّه تعظيمٌ لله، وكلُّ تعظيمٍ لله فهو
تسبيحٌ له.
{ قالوا سبحان ربنا } نزَّهوه عن أن يكون ظالماً، وأقرُّوا على أنفسهم بالظُّلم
فقالوا: { إنا كنا ظالمين }.
{ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون } يلوم بعضهم بعضاً بما فعلوا من الهرب من
المساكين ومنع حقهم.
{ قالوا يٰوَيْلَنَآ إنا كنا طاغين } بمنع حقِّ الفقراء وترك الاستثناء.
{ عسى ربنا أن يُبْدِلَنا خيراً منها } من هذه الجنَّة { إنا إلى ربنا راغبون }.
{ كذلك العذاب } كما فعلنا بهم نفعل بمَنْ خالف أمرنا، ثمَّ بيَّن ما عند الله
للمؤمنين فقال تعالى:
{ إنَّ للمتقين عند ربهم جنات النعيم } فلمَّا نزلت قال بعض قريش: إنْ كان
ما تذكرون حقَّاً فإنَّ لنا في الآخرة أكثرَ ممَّا لكم، فنزل:
{ أفنجعل المسلمين كالمجرمين }. { ما لكم كيف تحكمون }.
{ أم لكم كتاب } نزل من عند الله { فيه } ما تقولون { تدرسون } تُقرُّون ما فيه.
{ إنَّ لكم فيه } في ذلك الكتاب { لما تخيرون } تختارون.
{ أم لكم أيمان } عهودٌ ومواثيق { علينا بالغة } محكمةٌ لا ينقطع عهدها { إلى يوم
القيامة إنَّ لكم لما تحكمون } تقضون. وكسرت "إنَّ" في الآيتين لمكان اللام في
جوابها، وحقُّها الفتح لو لم تكن اللام.
فـ { سلهم } يا محمد { أيهم بذلك } الذي يقولون من أنَّ لهم في الآخرة حظّاَ
{ زعيم } كفيلٌ لهم.
{ أم لهم شركاء } آلهةٌ تكفل لهم بما يقولون { فليأتوا بشركائهم } لتكفل لهم { إن
كانوا صادقين } فيما يقولون.
{ يوم يكشف عن ساق } عن شدَّةٍ من الأمر، وهو يوم القيامة. قال ابنُ عبَّاس
رضي الله عنه: أشدُّ ساعةٍ في القيامة، فصار كشف السَّاق عبارةً عن شدَّة الأمر
{ ويدعون إلى السجود } أَيْ: الكافرون والمنافقون { فلا يستطيعون } يصير
ظهرهم طبقاً واحداً كلَّما أراد أن يسجد واحدٌ منهم خرَّ على قفاه.
{ خاشعة أبصارهم } ذليلةً لا يرفعونها { ترهقهم } تغشاهم { ذلَّة وقد كانوا يدعون
إلى السجود } في الدُّنيا { وهم سالمون } فيأبون ولا يسجدون لله.
{ فذرني ومَنْ يكذب بهذا الحديث } دعني والمُكذِّبين بهذا القرآن، أَيْ: كِلْهُمْ إليَّ
ولا تشغل قلبك بهم، فإنِّي أكفيك أمرهم. { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون }
أَيْ: نأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم.