{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} وما كان الله ليعذِّب المشركين وأنت مقيمٌ بين
أظهرهم؛ لأنَّه لم يعذِّب الله قريةً حتى يخرج النبيُّ منها والذين آمنوا معه {وما
كان الله} معذِّبَ هؤلاء الكفَّار وفيهم المؤمنون {يستغفرون} يعني: المسلمين،
ثمَّ قال:
{وما لهم ألا يعذِّبهم الله} أَيْ: ولمَ لا يعذِّبهم الله بالسَّيف بعد خروج مَنْ عنى
بقوله: {وهم يستغفرون} من بينِهم {وهم يصدون} يمنعون النبيِّ والمؤمنين
{عن المسجد الحرام} أن يطوفوا به {وما كانوا أولياءه} وذلك أنَّهم قالوا: نحن
أولياء المسجد، فردَّ الله عليهم بقوله: {إن أولياؤه إلاَّ المتقون} يعني: المهاجرين
والأنصار {ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون} غيبَ علمي وما سبق في قضائي.
{وما كان صلاتهم عند البيت إلاَّ مكاءً وتصديةً} أَيْ: صفيراً وتصفيقاً، وكانت
قريش يطوفون بالبيت عُراةً يُصفِّرون ويُصفِّقون، جعلوا ذلك صلاةً لهم، فكان
تَقرُّبُهم إلى الله بالصَّفير والصَّفيق {فذوقوا العذاب} ببدرٍ {بما كنتم تكفرون}
تجحدون توحيد الله تعالى.
{إنَّ الذين كفروا} نزلت في المُنفقين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيَّام بدرٍ،
وكانوا اثني عشر رجلاً. قال تعالى: {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة}
بذهاب الأموال، وفوات المراد.
{ليميز الله الخبيث من الطيب} أَيْ: إنما تحشرون إلى جهنَّم ليميِّز بين أهل
الشَّقاوة، وأهل السَّعادة {ويجعل الخبيث} أَي: الكافر، وهو اسم الجنس {بعضه
على بعض} يلحق بعضهم ببعض {فيركمه جميعاً} أَيْ: يجمعه حتى يصير
كالسَّحاب المركوم ثمَّ {فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون} لأنَّهم اشتروا
بأموالهم عذاب الله في الآخرة.
{قل للذين كفروا} أبي سفيان وأصحابه: {إن ينتهوا} عن الشِّرك وقتال
المؤمنين {يغفر لهم ما قد سلف} تقدَّم من الزِّنا والشِّرك؛ لأنَّ الحربيَّ إذا أسلم
عاد كَمِثْلِهِ يوم ولدته أمه {وإن يعودوا} للقتال {فقد مضت سنَّة الأولين} بنصر
اللَّهِ رسلَه ومَنْ آمن على مَنْ كفر.
{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} كفرٌ {ويكون الدين كله لله} لا يكون مع دينكم
كفرٌ في جزيرة العرب {فإن انتهوا} عن الشِّرك {فإنَّ الله بما يعملون بصير}
يُجازيهم مُجازاة البصير بهم وبأعمالهم.