{وإذْ يعدكم الله إحدى الطائفتين} العير أو النَّفير {أنَّها لكم وتودون أنَّ غير ذات
الشوكة تكون لكم} أَيْ: العير التي لا سلاح فيها تكون لكم {ويريد الله أن يحق
الحق} يُظهره ويُعليَه {بكلماته} بِعِدَاتِه التي سبقت بظهور الإِسلام {ويقطع دابر
الكافرين} آخر مَنْ بقي منهم. يعني: إنَّه إنَّما أمركم بحرب قريشٍ لهذا.
{ليحقَّ الحق} أَيْ: ويقطع دابر الكافرين ليُظهر الحقَّ ويُعليَه {ويبطل الباطل}
ويُهلك الكفر ويُفنيه {ولو كره المجرمون} ذلك.
{إذ تستغيثون ربكم} تطلبون منه المعونة بالنَّصر على العدوِّ لقلَّتكم {فاستجاب
لكم أني ممدُّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} متتابعين، جاؤوا بعد المسلمين، ومَنْ
فتح الدَّال أراد: بألفٍ أردف الله المسلمين بهم.
{وما جعله الله} أَيْ: الإِرداف {إلاَّ بشرى} الآية ماضية في سورة آل عمران.
{إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} وذلك أنَّ الله تعالى أمَّنهم أمناً غشيهم النُّعاس معه،
وهذا كما كان يوم أُحدٍ، وقد ذكرنا ذلك في سورة آل عمران. {وينُزِّل عليكم
من السماء ماء ليطهركم به} وذلك أنَّهم لمَّا بايتوا المشركين ببدرٍ أصابت جماعة
منهم جنابات، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الماء، فوسوس إليهم الشَّيطان،
وقال لهم: كيف ترجون الظَّفر وقد غلبوكم على الماء؟ وأنتم تُصلُّون مُجنِبين
ومُحدِثين، وتزعمون أنَّكم أولياء الله وفيكم نبيُّه؟ فأنزل الله تعالى مطراً سال منه
الوادي حتى اغتسلوا، وزالت الوسوسة، فذلك قوله: {ليطهركم به} أَيْ: من
الأحداث والجنابات {ويذهب عنكم رجز الشيطان} وسوسته التي تكسب عذاب
الله {وليربط} به {على قلوبكم} باليقين والنَّصر {ويثبت به الأقدام} وذلك أنَّهم
كانوا قد نزلوا على كثيبٍ تغوص فيه أرجلهم، فلبَّده المطر حتى ثبتت عليه
الأقدام.
{إذ يوحي ربك إلى الملائكة} الذين أمدَّ بهم المسلمين {إني معكم} بالعون
والنُّصرة {فثبتوا الذين آمنوا} بالتَّبشير بالنَّصر، وكان المَلَك يسير أمام الصَّف على
صورة رجلٍ ويقول: أبشروا؛ فإنَّ الله ناصركم {سألقي في قلوب الذين كفروا
الرعب} الخوف من أوليائي {فاضربوا فوق الأعناق} أَيْ: الرُّؤوس {واضربوا
منهم كلَّ بنان} أَيْ: الأطراف من اليدين والرِّجلين.
{ذلك} الضَّرب {بأنهم شاقوا الله ورسوله} باينوهما وخالفوهما.
{ذٰلكم} القتل والضَّرب ببدرٍ {فذوقوه وأنَّ للكافرين عذاب النار} بعدما نزل بهم
من ضرب الأعناق.
{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً} مُجتمعين مُتدانين إليكم للقتال
{فلا تولوهم الأدبار} لا تجعلوا ظهوركم ممَّا يليهم.