{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم...} الآية. لمَّا أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة
إلى المدينة كان من النَّاس مَنْ يتعلَّق به زوجته وولده وأقاربه، ويقولون: ننشدك
بالله أن تضيِّعنا، فيرقُّ لهم ويدع الهجرة، فأنزل الله تعالى: {لا تتخذوا آباءكم
وإخوانكم أولياء} أصدقاء تُؤثرون المقام بين أظهرهم على الهجرة {إن استحبوا}
اختاروا {الكفر على الإِيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} أَيْ:
مشركون مثلهم، فلمَّا نزلت هذه الآية قالوا: يا نبيَّ الله، إن نحن اعتزلنا مَنْ
خالفنا في الدِّين نقطع آباءنا وعشائرنا، وتذهب تجارتنا وتخرب ديارنا، فأنزل الله
تعالى:
{قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها}
أَيْ: اكتسبتموها {فتربصوا} مقيمين بمكَّة {حتى يأتي الله بأمره} فتح مكَّة،
فيسقط فرض الهجرة، وهذا أمر تهديد {والله لا يهدي القوم الفاسقين} تهديدٌ
لهؤلاء بحرمان الهداية.
{ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين} وهو وادٍ بين مكَّة والطَّائف، قاتل
عليه نبيُّ الله عليه السَّلام هوازن وثقيفاً {إذ أعجبتكم كثرتكم} وذلك أنَّهم قالوا:
لن نُغلب اليوم من قلَّةٍ، وكانوا اثني عشر ألفاً {فلم تغن} لم تدفع عنكم شيئاً
{وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} لشدَّة ما لحقكم من الخوف ضاقت عليكم
الأرض على سعتها، فلم تجدوا فيها موضعاً يصلح لقراركم {ثم وليتم مدبرين}
انهزمتم. أعلمهم الله تعالى أنَّهم ليسوا يغلبون بكثرتهم، إنَّما يَغلبون بنصر الله.
{ثم أنزل الله سكينته} وهو ما يسكن إليه القلب من لطف الله ورحمته {على
رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها} يريد: الملائكة {وعذب الذين
كفروا} بأسيافكم ورماحكم {وذلك جزاء الكافرين}.
{ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} فيهديهم إلى الإِسلام، من الكفَّار
{والله غفور رحيم} بمَنْ آمن.