التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ
٤٢
وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ
٤٣
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٤٤
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
٤٥
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ
٤٦
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٤٧
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٤٨
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
٤٩
-يونس

النهر الماد

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } الآية، قال ابن عباس: نزلت الآيتان في النضر بن الحارث وغيره من المستهزئين، وهذه الآية فيها تقسيم من لا يؤمن من الكفار إلى قسمين بعد تقسيم المكذبين إلى من يؤمن ومن لا يؤمن. والضمير في يستمعون عائد على من، والعود على المعنى دون العود على اللفظ في الكثرة وهو كقوله تعالى: { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ } [الأنبياء: 82]. والمعنى من يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع.
ثم نفى جدوى ذلك الاستماع بقوله:
{ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } أي هم وان استمعوا إليك صم عن إدراك ما تلقيه إليهم ليس لهم وعي ولا قول ولا قبول، ولا سيما وقد انضاف إلى الصّمم انتفاء العقل فحر بمن عدم السمع والعقل إلا أن يكون له إدراك لشىء البتة، بخلاف أن لو كان الأصم عاقلاً فإِنه بعقله يهتدي إلى أشياء.
وأعاد في قوله: { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ } الضمير مفرداً مذكراً على لفظ من وهو الأكثر في لسان العرب. قال ابن عطية: جاء ينظر على لفظ مَنْ وإذا جاء الفعل على لفظها فجائز أن يعطف عليه آخر، المعنى: وإذا جاء أولاً على معناها فلا يجوز أن يعطف بآخر على اللفظ، لأن الكلام يُلبسُ حينئذٍ. "انتهى". ليس كما قال بل يجوز أن يراعي المعنى أولاً فيعيد الضمير على حسب ما يريد من المعنى من تأنيث وتثنية وجمع، ثم يراعى اللفظ فيعيد الضمير مفرداً مذكراً، وفي ذلك تفصيل ذكر في علم النحو. والمعنى وأنهم عمي فلا تقدر على هدايتهم، لأن السبب الذي يهتدي به إلى رؤية الدلائل قد فقدوه هذا وهم مع فقد البصر قد فقدوا البصيرة، إذ من كان أعمى فإِنه يهديه نور بصيرته إلى أشياء بالحدس، وهذا قد جمع بين فقدان البصر والبصيرة وهذه مبالغة عظيمة في عدم قبول ما يلقى إلى هؤلاء إذ جمعوا بين الصمم وانتفاء العقل، وبين العمى وفقد البصيرة. وفي قوله: أفأنت تسلية له صلى الله عليه وسلم وألاّ يكترث بعدم قبولهم فإِن الهداية إنما هي لله تعالى. ولما ذكر هؤلاء الأشقياء ذكر أنه تعالى لا يظلمهم شيئاً إذ قد أزاح عللهم ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحذيرهم من عقابه ولكنهم ظلموا أنفسهم بالتكذيب والكفر. واحتمل هذا النفي للظلم أن يكون في الدنيا أي لا يظلمهم شيئاً من مصالحهم، واحتمل أن يكون في الآخرة وان ما يلحقهم من العقاب هو عدل منه لأنهم هم الذين تسببوا فيه باكتساب ذنوبهم، كما قدر تعالى عليهم لا يسأل عما يفعل.
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } الآية، كان لم يلبثوا جملة تشبيهية في موضع نصب من الضمير المنصوب في نحشرهم التقدير مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة ويتعارفون حال ثانية، ويجوز أن يكون استئناف اخبار. وأجاز ابن عطية في كان لم يلبثوا صفة لمصدر محذوف تقديره حشراً كان لم يلبثوا، وان تكون الجملة التشبيهية في موضع صفة لقوله: يوم. "انتهى". أما قوله: انه نعت لمصدر محذوف، فيحتاج إلى رابط فقدّره كان لم يلبثوا قبله، ومثل هذا الربط لا يجوز حذفه وأما قوله: ان الجملة في موضع الصفة ليوم نحشرهم فلا يجوز لأن الجملة التشبيهية هي نكرة ويوم نحشرهم معرفة، إذ التقدير ويوم حشرهم ولا توصف المعرفة بالنكرة.
{ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } أخبر عنهم بخبرين أحدهما خسرانهم معللاً بالتكذيب بلقاء الله، والثاني إخباره تعالى بانتفاء هدايتهم.
{ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ } اما هي ان الشرطية زيد عليها ما قال ابن عطية، ولأجلها جاز دخول النون الثقيلة ولو كانت ان وحدها لم يجز. "انتهى". يعني أن دخول النون للتأكيد إنما يكون مع زيادة ما بعد ان وهذا الذي ذكره مخالف لظاهر كلام سيبويه فإِن سيبويه أجاز أن تقول ان تقومنّ أقم بغير زيادة ما بعد ان. ومعنى هذه الآية الوعيد بالرجوع إلى الله تعالى، أي أريناك عقوبتهم أو لم نركها فهم على كل حال راجعون إلينا إلى الحساب والعذاب. قال الزمخشري: فإِلينا مرجعهم جواب نتوفينّك، وجواب نرينّك محذوف كأنه قيل: واما نرينك بعض الذي نعدهم فذاك أو نتوفينك قبل أن نريكَه فنحن نريك في الآخرة.
جعل الزمخشري الكلام شرطين لهما جوابان ولا حاجة إلى تقدير جواب محذوف لأن قوله: فإِلينا مرجعهم صالح أن يكون جواباً للشرط والمعطوف عليه، وأيضاً فقول الزمخشري فذاك هو اسم مفرد لا ينعقد منه جواب شرط فكان ينبغي أن يأتي بجملة يتضح بها جواب الشرط، إذ لا يفهم من قوله: فذاك الخبر الذي حذف المتحصل به فائدة الإِسناد، ثم مع ذلك الله شهيد من أول تكليفهم على جميع أعمالهم، فثم هنا لترتيب الاخبار لا لترتيب القصص في أنفسها.
{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } الآية، لما بين حال الرسول صلى الله عليه وسلم في قومه بين حال الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم تسلية له عليه السلام وتطميناً لقلبه.
{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ } الآية، الضمير في "ويقولون" عائد على مشركي قريش ومن تابعهم من منكري الحشر استعجلوا بما وعدوا به من العذاب على سبيل الاستبعاد أو على سبيل الاستخفاف، ولذلك قالوا ان كنتم صادقين فيما وعدتم به فلا يقع شىء منه.
{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي } الآية، لما التمسوا تعجيل العذاب أو تعجيل الساعة أمره تعالى أن يقول لهم ليس ذلك إليّ بل إلى الله تعالى، وإذا كنت لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً فكيف أملكه لغيري وكيف أطلع على ما لم يطلعني عليه الله.
{ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } انفرد تعالى بعلمه. وتقدم الكلام على كل أمة أجل في الاعراف.