التفاسير

< >
عرض

الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
١
أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
٢
وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
٣
إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٥
-هود

النهر الماد

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } قال ابن عباس: هذه السورة مكية كلها. وعنه أيضاً: انها مكية إلا قوله: { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ } [هود: 12]، الآية.
وكتاب خبر مبتدأ محذوف يدل عليه ظهوره بعد هذه الحروف المقطعة كقوله:
{ { الۤـمۤ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [البقرة: 1-2].
وأحكت صفة له. ومعنى الاحكام: نظمه نظماً رصيفاً لا نقص فيه ولا خلل. والهمزة في "أحكمت" للنقل وأصله حكم فهو حكيم، ثم أدخلت عليه همزة النقل فصار يتعدى لواحد ثم فصلت كما تفصل القلائد بالدلائل من دلائل التوحيد والاحكام والمواعظ والبعث بعد الموت والقصص.
أو جعلت فصولاً سورة سورة وآية آية، أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة أو فصل بها ما يحتاج إليه العباد، أي بيّن. ولخص من لدن، تقدم الكلام عليه في آل عمران حكيم بمعنى محكم وهي صفة راجعة لقوله: أحكمت خبير عالم بخفايا الأشياء راجع لقوله: ثم فصلت، وكان العطف بثم لتراخي أوامر التفصيل ونواهيه عن المنزل بالاحكام. ومن لدن يتعلق بأحد الفعلين من باب الاعمال، ومن حيث المعنى تتعلق بهما.
و{ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } يحتمل أن يكون حرف ان تفسير، لأن في تفصيل الآيات معنى القول وهذا أظهر. ويجوز أن تكون ان الناصبة للمضارع ولا نفي، وعلامة النصب حذف النون. ويجوز أن تكون أن مصدرية وصلت بفعل النهي وعلامة الجزم فيه حذف النون.
والظاهر عود الضمير في منه إلى الله تعالى أي انني لكم نذير من جهته وبشير فيكون في موضع الصفة فيعلق بمحذوف، أي كائن من جهته، أو يعلق بنذير، أي أنذركم من عذابه إن كفرتم وأبشركم بثوابه ان آمنتم.
{ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ } هذا أمر بالاستغفار يرجح أن يكون ان لا تعبدوا نهياً نهي، ثم أمر كقوله:

وقوفاً بها على مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجمل

والاستغفار: طلب المغفرة وهي الستر، والتوبة: الانسلاخ من المعاصي والندم على ما سلف منها والعزم على عدم العود إليها. وتقدم أمران بينهما تراخ وترتب عليهما جواباً بينهما تراخ ترتب على الاستغفار التمتيع المتاع الحسن في الدنيا. وترتب على التوبة إيتاء الفضل في الآخرة وناسب كل جواب لما وقع جواباً له لأن الاستغفار من الذنب أول حال الراجع إلى الله تعالى فناسب ان يرتب عليه حال الدنيا. والتوبة هي المنجية من النار والتي تدخل الجنة، فناسب أن يرتب عليها حال الآخرة. والضمير في "فضله" يحتمل أن يعود على الله، أي يعطي في الآخرة كل من كان له فضل في عمل الخير وزيادة ما تفضل به عليه تعالى وزيادة.
ويحتمل أن يعود على كل، أي جزاء ذلك الفضل الذي عمله في الدنيا لا يبخس منه شيئاً.
والظاهر ان تولوا مضارع حذف منه التاء أي وإن تتولوا. وقيل: هو ماض للغائبين. والتقدير فقل لهم: إني أخاف عليكم. ووصف يوم بكبير، وهو يوم القيامة لما يقع فيه من الأهوال.
{ إِلَى ٱللَّهِ } أي إلى جزائه.
{ مَرْجِعُكُمْ } أي يوم القيامة.
{ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } الآية، قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف أنه ليحبه ويضمر خلاف ما يظهر. وقيل غير ذلك.
{ لِيَسْتَخْفُواْ } أي من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على أزورارهم. والضمير في منه عائد على الله تعالى، والذي يظهر من أسباب النزول أنه عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما قيل ان هذه الآية نزلت في الكفار الذين كانوا إذا لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تطامنوا وثنوا صدورهم كالمتستر وردوا إليه ظهورهم وغشوا وجوههم بثيابهم تباعدا منه وكراهة للقائه، وهم يظنون ان ذلك يخفى عليه أو عن الله تعالى. فنزلت الآية. فعلى هذا يكون "ليستخفوا" متعلقاً بقوله: يثنون صدورهم. ومعنى يستغشون ثيابهم: يجعلونها أغشية. ومنه قول الخنساء:

أرعى النجوم وما كلفت رعيتها وتارة أتغشى فضل أطماري

وانتصب حين بقوله: يعلم. وقال الزمخشري: يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم.
وقال أبو البقاء: إلا حين العامل في الظرف محذوف أي إلا حين يستغشون ثيابهم يستخفون. وتقدير الزمخشري وأبي البقاء إضمار لا يحتاج إليه.