التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ
٧٤
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ
٧٥
يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ
٧٦
وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
٧٧
وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
٧٨
قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ
٧٩
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ
٨٠
-هود

النهر الماد

{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ } أي الخيفة التي كان أوجبها في نفسه حين نكر أضيافة والمعنى اطمأن قلبه بعلمه أنهم ملائكة، والبشرى تبشيره بالولد أو بأن المراد بمجيئهم غيره. وجواب لما محذوف تقديره اجترأ على الخطاب، ودل على ذلك الجملة المستأنفة وهي يجادلنا.
{ يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ } أي قالت الملائكة. والإِشارة بهذا إلى الجدال والمحاورة في شىء مفروغ منه والأمر ما قضاه وحكم به من عذابه الواقع بهم لا محالة.
{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ } الآية، خرجت الملائكة من قرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى قرية لوط عليه السلام وبينهما ثمانية أميال، وقيل: أربعة فراسخ فأتوها عشاء وقيل: نصف النهار، وجدوا لوطاً عليه السلام في حدث له. وقيل: وجدوا ابنته تسقي ماء في نهر سدوم وهي أكبر حواضر قوم لوط فسألوها الدلالة على من يضيّفهم ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط، وقالت لهم: مكانكم، وذهبت إلى أبيها فأخبرته فخرج إليهم فقالوا: إنا نريد أن تضيّفنا الليلة، فقال لهم: أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم؟ فقالوا: وما عملهم؟ فقال: أشهد بالله أنهم شر قوم في الأرض وقد كان الله تعالى قال للملائكة: لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات. فلما قال هذه قال جبريل عليه الصلاة والسلام: هذه واحدة وتردد القول منهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات ثم دخل لوط المدينة فحينئذٍ سىء بهم أي لحقه سوء بسببهم وضاق ذرعه بهم.
{ وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } أي شديد لما كان يتخوفه من تعدي قومه على أضيافه.
{ وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } لما جاء لوط بضيفه لم يعلم بذلك أحد إلا أهل بيته فخرجت امرأته حتى أتت مجالس قومها فقالت: ان لوطاً أضاف الليلة قوماً ما رؤي مثلهم جمالاً وكذا وكذا فحينئذٍ جاؤا يهرعون أي يسرعون كأنما يدفعون دفعاً فعل الطامع الخائف فوت ما يطلبه.
{ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي كان ذلك دينهم وعادتهم أصروا على ذلك ومردوا عليه فليس ذلك بأول إنشاء هذه المعصية جاؤا يهرعون إليه لا يكفهم حياء لضراوتهم عنها. والتقدير في ومن قبل، أي من قبل مجيئهم إلى هؤلاء الأضياف وطلبهم إياهم.
{ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي } الأحسن أن تكون الإِضافة مجازية، أي بنات قومي أي البنات.
{ أَطْهَرُ لَكُمْ } إذ النبي ينزل منزلة الأب لقومه. وقرىء: أطهر على الحال. فقيل: هؤلاء مبتدأ وخبر وهن مبتدأ ولكم خبره. قيل: والعامل المضمر. وقيل: لكم بما فيه من معنى الاستقرار. وقيل: هؤلاء بناتي مبتدأ وخبر وهن فصل وأطهر حال، ورد بأن الفصل لا يقع إلا بين جزيء الجملة ولا يقع بين الحال وذي الحال وقد أجاز ذلك بعضهم وادعى السماع فيه من العرب لكنه قليل.
{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً } قال ذلك على سبيل التفجع. وجواب لو محذوف تقديره لفعلت بكم وصنعت. والظاهر أن لو عطف جملة فعلية على جملة فعلية.