التفاسير

< >
عرض

قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً
١٠٠
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً
١٠١
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً
١٠٢
فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً
١٠٣
وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً
١٠٤
وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً
١٠٥
وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً
١٠٦
قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً
١٠٧
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً
١٠٨
وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً
١٠٩
قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
١١٠
وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً
١١١
-الإسراء

النهر الماد

{ قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ } الآية * مناسبتها أن المشركين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً وطلبوا اجراء الأنهار والعيون في بلدهم لتكره أقواتهم وتتسع عليهم فبين تعالى أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله لبقوا على بخلهم وشحهم قل لو أنتم تملكون فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده تقديره تملكون فحذف تملك وانفصل الضمير الذي هو الواو فصار أنتم * كقوله وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها * فهو فاعل وكان تقديره وإن لم يحمل ففيه ضمير مستكن فلما حذف الفعل وانفصل الضمير فصار هو وخرج ذلك أبو الحسن علي بن فضال المجاشقي على إضمار كان وقال أبو الحسن بن الصائغ حذف كان فانفصل اسمها والتقدير قل لو كنتم وقال البصريون يصرحون بامتناع لو زيد قام لأكرمته على الفصيح ويجيزونه شاذاً كقولهم: * لو ذات سوار لطمتني * وهو عندهم على فعل مضمر وجواب لولا مسكتم وخشية مفعول من أجله وقتوراً مبالغة في التقتير ولما حكى الله تعالى عن قريش ما حكى من تعنتهم في اقتراحهم وعنادهم للرسول صلى الله عليه وسلم سلاه الله تعالى بما جرى لموسى مع فرعون ومع قومه من قولهم أرنا الله جهرة الآية.
و{ تِسْعَ آيَاتٍ } تقدم الكلام عليه في الاعراف والعامل في إذ محذوف تقديره.
{ فَسْئَلْ } عن حديث أو قصة.
{ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ } وقال الزمخشري: اذكر أو يخبرونك انتهى وإذ ظرف لما مضى لا يصح إعمال واحد منهما فيه وقرأ الجمهور لقد علمت بفتح التاء على خطاب موسى لفرعون وتبكيته في قوله عنه انه مسحور أي قد علمت أن ما جئت به ليس من باب السحر ولا إني خدعت في عقلي بل علمت أنه ما أنزلها إلا الله وما أحس ما جاء به من إسناد إنزالها إلى لفظ رب السماوات والأرض إن هو لما سأله فرعون في أو محاورته فقال له: وما رب العالمين؟ قال له: رب السماوات والأرض ينبهه على نقصه وأنه لا تصرف له في الوجود فدعواه الربوبية دعوى استحالة فبكته وأعلمه أنه يعلم آيات الله ومن أنزلها ولكنه مكابر ومعاند كقوله تعالى:
{ وَجَحَدُواْ بِهَا } [النمل: 14] الآية وخاطبه بذلك على سبيل التوبيخ أي أنت بحال من يعلم هذا وهو في الوضوح بحيث يعلمها وليس خطابه على جهة إخباره عن علمه وقرىء: لقد علمت بتاء المتكلم وهو ضمير موسى صلى الله عليه وسلم وما أنزل جملة في موضع نصب علق عنها علمت ومعنى بصائر دلالات على وحدانية الله تعالى وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والإِشارة بهؤلاء إلى الآيات التسع وانتصب بصائر على الحال والعامل فيه محذوف تقديره أنزلها بصائر وقابل موسى صلى الله عليه وسلم بظن فرعون وشتان ما بين الظنين ظن فرعون باطل واستفزازه إياهم هو استخفافه لموسى ولقومه بأن يقلعهم من أرض مصر بقتل أو جلاء فماق به مكره وأغرقه الله وقبطه والضمير في بعده عائد على فرعون أي من بعد إعراقه والأرض المأمور بسكناها أرض الشام ووعد الآخرة قيام الساعة وانتصب.
{ لَفِيفاً } على الحال أي منضماً بعضكم إلى بعض.
{ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ } الآية هو مردود على قوله: قل لئن اجتمعت الإِنس والجن وهكذا طريقة كلام العرب وأسلوبها تأخذ في شىء وتستطرد منه إلى شىء آخر ثم تعود إلى ما ذكرته أولاً وانتصب.
{ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } على الحال أي مبشراً لهم بالجنة ومنذراً من النار وانتصب:
{ وَقُرْآناً } على إضمار فعل يفسره فرقناه أي وفرقنا قرآنا فرقناه فهو من باب الاشتغال وحسن النصب ورجحه على الرفع كونه عطف على جملة فعلية وهي قوله: وما أرسلناك ولا بد من تقدير صفة لقوله: وقرآناً حتى يصح كونه كان يجوز فيه الابتداء لأنه نكرة لا مسوغ لها في الظاهر للإِبتداء بها والتقدير وقرآناً أي قرآناً عظيماً جليلاً.
{ عَلَىٰ مُكْثٍ } أي تطاول في المدة شيئاً بعد شىء.
{ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ } يتضمن الإِعراض عنهم والاحتقار لهم وعدم الاكتراث بهم فإِن خيراً منهم العلماء الذين قرؤا الكتاب وعلموا الشرائع آمنوا به وصدقوه وثبت عندهم أنه النبي الموعود به في كتبهم فإِذا تلى عليهم خروا سجداً وسبحوا الله تعظيماً لوعده ولبشارته ببعثه محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه وهو المراد بالوعد في قوله: إن كان وعد ربنا لمفعولاً فالظاهر أن الضمير في قوله: إذا تتلى عليهم عائد على القرآن والخرور السقوط بسرعة وانتصب سجداً على الحال.
{ سُبْحَانَ رَبِّنَآ } نزهوا الله عما نسبه إليه كفار قريش وغيرهم وإن هنا المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة والمعنى إن ما وعد به من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه قد فعله وأنجزه وتكرر الخرور لاختلاف حالتي السجود والبكاء وجاء التعبير عن الحالة الأولى بالاسم وعن الثانية بالفعل لأن الفعل مشعر بالتجدد وذلك أن البكاء ناشىء عن التفكر فهم دائماً في فكرة وتذكر فناسب ذكر الفعل إذ هو مشعر بالتجدد ولما كانت حالة السجود ليست تتجدد في كل وقت عبر فيها بالاسم ويزيدهم أي ما تلى عليهم خشوعاً أي تواضعاً.
{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ } الآية قال ابن عباس:
"تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده يا رحمن يا رحيم فقال المشركون: كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن ما الرحمن إلا رحمان اليمامة يعنون مسيلمة" فنزلت والله والرحمن إسمان لذات واحد وأياً شرطية وما زائدة وتدعو فعل الشرط حذفت منه النون وفله جواب الشرط والمعنى أي الاسمين وهو لفظ الله والرحمن فله لكون الاسمين لذات واحد الأسماء الحسنى والصلاة هنا الدعاء قاله ابن عباس ومعلوم أن الجهر والمخافتة معتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأركان وكان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بقراءته فيسب المشركون ويلغون فأمر بأن يخفض من صوته حتى لا يسمع المشركون وأن لا يخافت حتى يسمعه من وراءه من المؤمنين.
{ وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ } أي بين الجهر والمخافتة.
{ سَبِيلاً } وسطاً وتقدم الكلام على بين ذلك في البقرة ولما ذكر تعالى أنه واحد وإن تعددت أسماؤه أمره تعالى أن يحمده على ما أنعم به عليه مما آتاه من شرف الرسالة والاصطفاء ووصف نفسه أنه لم يتخذ ولداً فيعتقد تكثره بالنوع وكان ذلك رداً على اليهود والنصارى والعرب الذين عبدوا الملائكة واعتقدوا أنهم بنات الله ونفى أولاً الولد خصوصاً ثم نفى الشريك في ملكه وهو أعم من أن ينسب إليه ولد فيشركه في ملكه أو غيره ولما نفى الولد والشريك نفى الولي وهو الناصر وهو أعم من أن يكون ولداً أو شريكاً أو غير ذلك ولما كان اتخاذ الولد قد يكون للانتصار وللاعتزاز به والاحتماء من الذل وقد يكون التفضل والرحمة لمن والى من عباده الصالحين كان النفي لمن ينتصر به من أجل المذلة إذ كان مورد الولاية يحتمل هذين الوجهين فنفى الجهة التي يكون لأجل النقص بخلاف الولد والشريك فإِنهما نفيا على الإِطلاق.
{ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } التكبير أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإِجلال وأكد بالمصدر تحقيقاً له وإبلاغاً في معناه وابتدئت هذه السورة بتنزيه الله سبحانه واختتمت به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً الآية.