التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا
١
قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً
٢
مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً
٣
وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً
٤
مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً
٥
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً
٦
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً
٧
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً
٨
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً
٩
إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً
١٠
فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً
١١
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً
١٢
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
١٣
وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً
١٤
هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً
١٥
وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً
١٦
وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً
١٧
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً
١٨
وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً
١٩
إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً
٢٠
وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً
٢١
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً
٢٢
وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً
٢٣
إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً
٢٤
-الكهف

النهر الماد

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ } الآية هذه السورة مكية وقيل فيها آيات مدنية وسبب نزولها "أن قريشاً بعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة فقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته فإِنهم أهل الكتاب الأول وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى أتيا المدينة فسألاهم فقالت اليهود سلوه عن ثلاث فإِن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول فرؤا فيه رأيكم سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإِنه كان لهم أمر عجيب وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان بناؤه وسلوه عن الروح فأقبل النضر وعقبة إلى مكة فسألاه فقال غداً أخبركم ولم يقل إن شاء الله فاستمسك الوحي عنه خمسة عشر يوماً فارجف به كفار قريش وقالوا ان محمد تركه رئيه الذي كان يأتيه من الجن وقال بعضهم: وقد عجز عن أكاذيبه فشق ذلك عليه فلما انقضى ذلك جاءه الوحي بجواب الأسئلة وغيرها" ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه لما قال وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ذكر المؤمنين أنه يزيدهم خشوعاً وأنه تعالى أمره بالحمد له وأنه لم يتخذ ولداً وأمره تعالى بحمده على إنزال هذا الكتاب السالم من العوج القيم على كل الكتب المنذر من اتخذ ولداً المبشر المؤمنين بالأجر الحسن ثم استطرد إلى حديث كفار قريش والتفت من الخطاب في قوله: وكبره تكبيرا إلى الغيبة في قوله: على عبده لما في عبده من الإِضافة المقتضية تشريفه ولم يجىء التركيب أنزل عليك والكتاب القرآن * قال الزمخشري: ولم يجعل له معطوفة على أنزل فهي داخلة في الصلة ورتب على هذا أن الأحسن في انتصاب قيماً أن ينتصب بفعل مضمر ولا يجعل حالاً من الكتاب لما يلزم من ذلك وهو الفصل بين الحال وذى الحال ببعض الصلة وقدره جعله قيماً وقال ابن عطية قيما نصب على الحال من الكتاب فهو بمعنى التقديم مؤخر في اللفظ أي أنزل الكتاب قيماً واعترض بين الحال وذي الحال قوله ولم يجعل له عوجاً أما إذا قلنا بأن الجملة المنفية اعتراض فهو جائز ويفصل بجمل الاعتراض بين الحال وصاحبها والصحيح أنهما حالان من الكتاب الأولى جملة والثانية مفردة وكثير من أصحابنا على منع ذلك وفي ذلك أعاريب أخر ذكرت في البحر والعوج في المعاني كالعوج في الأشخاص ونكر عوجاً ليعم جميع أنواعه لأنها نكرة في سياق النفي والمعنى أنه في غاية الاستقامة لا تناقض ولا اختلاف في معانيه ولا حواشيه ولا عي في تراكيبه ومبانيه وقيماً بمصالح العباد وشرائع دينهم وأصدر معائشهم ومعادهم ولذلك جاء بعده لينذر وليبشر فيجوز أن يتعلقا بقوله قيماً ويجوز أن يتعلقا بأنزل والبأس الشديد عذاب الآخرة ويحتمل أن يندرج فيه ما يلحقهم من عذاب الدنيا من لدنه تقدم الكلام في أول هود والأجر الحسن الجنة ولما كنى عن الجنة بقوله أجراً حسناً قال ماكثين فيه، أي مقيمين فجعله ظرفاً لإِقامتهم ولما كان المكث لا يقتضي التأبيد قال أبداً وهو ظرف دال على زمن متناه وانتصب ماكثين على الحال وذو الحال هو الضمير في لهم والذين نسبوا الولد إلى الله تعالى بعض اليهود في عزير وبعض النصارى في المسيح وبعض العرب في الملائكة والضمير في به الظاهر أنه عائد على الولد الذي ادعوه.
{ مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } أي ما لهم بقولهم هذا من علم فالجملة في موضع الحال أي قالوا جاهلين من غير فكر ولا روية ولا نظر فيما يجوز ويمتنع * وقرأ الجمهور:
{ كَلِمَةً } بالنصب فالظاهر انتصابها على التمييز وفاعل كبرت مضمر يعود على المقالة المفهومة من قوله: قالوا اتخذ الله ولدا وفي ذلك معنى التعجب أي ما أكبرها كلمة والجملة بعدها صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم فإِن كثيراً مما يشوش به الشيطان في القلوب ويحدث به النفس لا يمكن أن يتفوه به بل يصرف عنه الكفر فكيف بمثل هذا المنكر وسميت كلمة كما يسمون القصيدة كلمة وان نافية أي ما يقولون وكذباً نعت لمصدر محذوف أي قولاً كذباً.
{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } لعل للترجي في المحبوب وللإِشفاق في المحذور * وباخع قال الفراء بخع يبخع بخعاً وبخوعاً أهلك من شدة الموجدة وأصله الجهد والظاهر أنها هنا للإِشفاق أشفق أن يبخع الرسول نفسه عليهم لكونهم لم يؤمنوا وقوله. على آثارهم استعارة فصيحة من حيث لهم إدبار وتباعد عن الإيمان وإعراض عن الشرع وكأنهم من فرط إدبارهم قد بعدوا في إدبارهم بحزن عليهم ومعنى على آثارهم من بعدهم أي بعد يأسك من إيمانهم أو بعد موتهم على الكفر ويقال: مات فلان على أثر فلان أي بعده والإِشارة بهذا الحديث إلى القرآن، قال الله تعالى:
{ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً } [الزمر: 23] وأسفا مفعول من أجله وأصله حزناً وارتباطاً قوله:
{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } بما قبلها هو على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه تعالى أخبر أنه خلق ما على الأرض من الزينة للابتلاء والاختبار أي الناس أحسن عملاً وليسوا على نمط واحد في الاستقامة واتباع الرسل لا بد أن يكون فيهم من هو أحسن عملاً ومن هو أسوأ عملاً فلا تغتم ولا تحزن على من قضيت عليه بأنه يكون أسوأ عملاً ومع كونهم يكفرون بي لا أقطع عنهم مواد هذه النعم التي خلقتها وجعلناها بمعنى خلقنا والظاهر أن ما يراد به العموم فيما لا يعقل وزينة كل شىء بحسبه * وانتصب زينة على الحال أو الفعول من أجله إن كان جعلنا بمعنى خلقنا وأوجدنا وإن كان بمعنى صيرنا فانتصب على أنه مفعول ثان وأيهم يحتمل أن تكون الضمة فيها إعراباً فتكون أيهم مبتدأ وأحسن خبره والجملة في موضع المفعول لنبلوهم ويكون قد علق بيبلوهم إجراء لها مجرى العلم لأن الابتداء والاختبار سبب العلم ويحتمل أن تكون الضمة فيها على مذهب سيبويه لوجود شرط جواز البناء في أي وهو كونها مضافة قد حذف صدر صلتها فأحسن خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أحسن ويكون أيهم موصولاً في موضع نصب بدلاً من الضمير في ليبلوهم والمفضل عليه محذوف تقديره ممن ليس أحسن عملاً.
{ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ } أي مصيرون ما عليها مما كان زينة لها أو ما عليها مما هو أعم من الزينة وغيره.
{ صَعِيداً } تراباً جزراً لا نبات فيه وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما تضمنته أيدي المترفين من زينتها إذ مآل ذلك كله إلى الفناء والمحاق.
{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ } الآية أم هنا هي المنقطعة فتقدر ببل والهمزة قيل للإِضراب عن الكلام الأول والمعنى الانتقال من كلام إلى آخر لا بمعنى الإِبطال والهمزة للاستفهام وزعم بعض النحويين أن أم هنا بمعنى الهمزة فقط والظاهر في أم حسبت أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد: لم ينهه عن التعجب وإنما أراد كل آياتنا كذلك وأهل الكهف هم الفتية الذين ذكرهم الله بعد ذلك والكهف هو الغار الذي في الجبل يستتر فيه.
{ وَٱلرَّقِيمِ } قيل هو اسم الكلب الذي كان معهم وقيل اسم قصر وقيل هذا الكهف هو في الروم وقيل في الشام * وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف * قال ابن عطية: دخلت إليهم ورأيتهم منذ أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم كأنه قصر مخلق وبقي بعض جدرانه وهو في فلاة من الأرض خربة وبأعلى غرناطة مما يلي القبلة أثار قديمة يقال لها مدينة دقيوس وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها وإنما سهل ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله "انتهى" قال والدي فسح الله في مدته وحين كنا بالأندلس كان الناس يزورون هذا الكهف ويذكرون أنهم يغلطون في عددهم إذا عدوهم وإن معهم كلباً ورحل الناس إلى، لوشة لزيارتهم وأما ما ذكر من مدينة دقيوس التي بقبلي غرناطة فقد مررت عليها مراراً لا تحصى وشاهدت فيها حجارة كباراً ويترجح كون أهل الكهف بالأندلس لكثرة دين النصارى بها حتى أنها هي بلاد مملكتهم العظمى ولأن الاخبار بما هو في أقصى مكان عن أرض الحجاز أبعد أن لا يعرفه أحد إلا بوحي من الله تعالى والعامل في إذا قيل اذكر وقيل عجباً ومعنى أوى جعلوه مأوى لهم ومكان اعتصام ثم دعوا الله تعالى أن يؤتيهم رحمة من عنده وهي الرزق ولفظ الفتية يشعر بأنهم كانوا شباناً وكذلك روي أنهم كانوا شباناً من أبناء الأشراف والعظماء مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب وهم من الروم اتبعوا دين عيسى وأصحابنا الأندلوسيون تكثر في ألفاظهم تسمية نصارى الأندلس بالروم وقل من ينطق بلفظ النصارى * وقال بعض أدبائهم يخاطب ملك الأندلس الآن ابن الأحمر:

حميت حمى الاسلام في أرض غربة وقد نشبت للروم فيها المخالب

ومفعول ضربنا محذوف تقديره حجاباً من أن يسمعوا وهو كناية عن النوم وانتصب سنين على الظرف والعامل فيه فضربنا وعدداً مصدر وصف به والظاهر منه الدلالة على الكثرة لأنه لا يحتاج إلى أن يعد إلا ما كثر لا ما قل * قال الزمخشري: ويحتمل أن يريد القلة لأن الكثير عنده قليل كقوله لم يلبثوا إلا ساعة من نهار انتهى هذا تحريف في التشبيه لأن لفظ الآية كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار فهذا تشبيه لسرعة انقضاء ما عاشوا في الدنيا إذا رأوا العذاب كما قال الشاعر:

كأن الفتى لم يعر يوماً إذا اكتسى ولم يك صعلوكاً إذا ما تموّلا

{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } أي أيقظناهم من نومهم وليعلم أي ليظهر لهم ما علمناه من أمرهم أي الحزبين قال ابن عباس هم الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب وأهل الكهف حزب وقيل ذلك * قال الزمخشري: وقرىء: ليعلم وهو معلق منه لأن ارتفاعه بالابتداء بإِسناد يعلم إليه وفاعل يعلم مضمون الجملة كما أنه مفعول يعلم "انتهى" لا يجوز ما ذكره على مذهب البصريين لأن الجملة إذ ذاك تكون في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله وهو قائم مقام الفاعل وكما أن تلك الجملة وغيرها من الجمل لا تقوم مقام الفاعل فكذلك لا يقوم ما ناب عنه وللكوفين مذهبان أحدهما أنه يجوز الإِسناد إلى الجملة مطلقاً والثاني أنه لا يجوز إلا إذا كان الفعل مما يصح تعليقه وأي الحزبين مبتدأ وأحصى خبره، وهو أفعل التفضيل ولما متعلق به وأمدا مفعول أحصى غلط ابن عطية فأورد فيما بني من الرباعي ما أعطاه للحال وآتاه للخير وهي أسود من القار وماؤه أبيض من اللبن وفهو لما سواها أضيع قال: وهذه كلها أفعل من الرباعي. "انتهى" وأسود وأبيض ليس بناؤهما من الرباعي وفي بناء أفعل التعجب وأفعل التفضيل ثلاثة مذاهب يبنى مطلقاً وهو ظاهر كلام سيبويه وقد جاء منه ألفاظ لا يبنى منه مطلقاً وما ورد حمل على الشذوذ والتفضيل بين أن يكون الهمزة للنقل فلا يجوز أو لغير النقل كأشكل الأمر وأظلم الليل فيجوز أن يقول ما أشكل هذه المسألة وما أظلم هذا الليل وهذا اختيار ابن عصفور من أصحابنا ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب النحو قال الزمخشري: فإِن قلت فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل قلت ليس بالوجه السديد وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس ونحو أعدى من الجرب وأفلس من ابن المذلق شاذ والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع فكيف به فيه ولأن أمدا لا يخلوا إما أن ينتصب بأفعل فأفعل لا يعمل وإما أن ينصب بلبثوا فلا يسر عليه المعنى فإِن زعمت أني أنصبه بإِضمار فعل يدل عليه أحصى كما أضمر في قوله:

وأضرب منا بالسيوف القوانسا

على يضرب القوانس فقد أبعدت التناول وهو قريب حيث أثبت أن يكون أحصى فعلاً ثم رجعت مضطراً إلى تقديره وإضماره "انتهى" أما دعواه الشذوذ فهو مذهب أبي عليّ وقد ذكرنا أن الظاهر مذهب سيبويه جواز بنائه من أفعل مطلقاً وأنه مذهب أبي إسحاق وأن التفضيل اختيار ابن عصفور وقول غيره والهمزة في أحصى ليست للنقل وأما قوله فأفعل لا يعمل ليس بصحيح لأنه يعمل في التمييز وأمدا تمييز وهكذا أعربه من زعم أن أحصى أفعل التفضيل كما نقول زيد أقطع الناس سيفاً ولم يعربه مفعولاً به وأما قوله وأما أن ينتصب بلبثوا فلا يسد عليه المعنى أي لا يكون سديداً فقد ذهب الطبري إلى أن نصب أمداً بلبثوا قال ابن عطية: وهذا غير متوجه "انتهى" وقد يتجه ذلك أن الأمد هو الغاية ويكون عبارة عن المدة كقوله: { { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } [البقرة: 106] ما يفتح الله للناس من رحمة، ولما سقط الحرف وصل إليه الفعل وأما قوله: فإِن زعمت إلى آخره، فنقول: لا يحتاج إلى هذا الزعم لأن لقائل ذلك أن يسلك مذهب الكوفيين في أن أفعل التفضيل ينتصب المفعول به فالقوانس عندهم منصوب بأضرب نصب المفعول به وأما تأويله بضرب القوانس فقول البصريين وكذلك ذهب بعض النحويين إلى أن قوله أعلم من يضل من منصوبة بأعلم نصب المفعول به ولو كثر وجود * وأضرب منا بالسيوف القوانسا * لكنا نقيسه ويكون معناه صحيحاً لأن أفعل التفضيل مضمن معنى المصدر فيعمل بذلك التضمن ألا ترى أن المعنى يزيد ضربنا بالسيوف على ضرب غيرنا.
{ نَحْنُ نَقُصُّ } بدأ بقصتهم أولاً مختصرة ثم ذكرها مفصلة مطولة.
{ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } أي على وجه الصدق وجاء بلفظ نحن نقص موازناً لقوله: لنعلم ثم قا ل:
{ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ } ففيه إضافة الرب وهو السيد والناظر في مصلحة عبيده ولم يأت التركيب آمنوا بنا للاشعار بتلك الرتبة وهي أنهم مربوبون له مملوكون ثم قال: وزدناهم ولم يأت التركيب وزادهم لما في لفظة نا من العظمة والجلالة وزيادته تعالى لهم هدى هو تيسيرهم للعمل الصالح والانقطاع إليه ومباعدة الناس والزهد في الدنيا وهذه زيادة على الإِيمان الذي حصل لهم.
{ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي ثبتناها وقويناها على الصبر على هجرة الوطن والنعيم والفرار بالدين إلى غار في مكان قفر لا أنيس فيه ولا ماء ولا طعام والربط مقابلة الإِنحلال ومنه فلان رابط الجأش إذا كانت نفسه لا تتفرق عند الفزع والخوف واللام في لقد لام تأكيد وإذا حرف جواب وجراء أي لقد قلنا ان دعونا من دونه إلهاً قولاً شططاً أي ذا شطط وهو التعدي والجور فشططاً نعت لمصدر محذوف.
{ هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } ولما وحدوا الله ورفضوا ما دونه من الآلهة أخذوا في ذم قومهم وسوء فعلهم وأنهم لا حجة لهم في عبادة غير الله ثم عظموا جرم من افترى على الله كذباً والضمير في من دونه عائد على الله ولولا حرف تحضيض بمعنى هلا صحبه الإِنكار والسلطان الحجة والبرهان.
{ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } خطاب من بعضهم لبعض والاعتزال يشمل مفارقة أوطان قومهم ومعتقداتهم فهو اعتزال جسماني وقلبي وما معطوف على المفعول في اعتزلتموهم أي واعتزلتم معبوداتهم وإلا الله استثناء متصل إن كان قومهم يعبدون الله مع آلهتهم لاندراج لفظ الجلالة في قوله: وما يعبدون أو منقطع إن كانوا لا يعرفون الله ولا يعبدونه لعدم اندراجهم في معبوداتهم.
{ يَنْشُرْ لَكُمْ } المعنى أنه يبسط عليكم رحمته.
{ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ } ما ترتفقون به في أمر عيشكم.
{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت } الآية هنا جمل محذوفة دل عليها ما تقدم والتقدير فأووا إلى الكهف فألقى الله تعالى عليهم النوم واستجاب دعاءهم وأرفقهم في الكهف بأشياء وقرىء: تزاور بإِدغام تاء تزاور في الزاء وقرىء: تزور على وزن تحمر وقرىء: تزاور بحذف التاء على وزن تفاعل وبإِدغام التاء في الزاي والمعنى تزوغ وتميل وذات اليمين جهة يمين الكهف وحقيقة المسالمة باليمين يعني يمين الداخل إلى الكهف أو يمين الفتية وتقرضهم أي لا تقربهم من معنى القطيعة وهم في فجوة أي متسع من الكهف.
{ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } هذه الصفة مع الشمس يقتضي أنه كان لهم حاجب من جهة الجنوب وحاجب من جهة الدبور وهم في زاوية وقال عبد الله بن مسلم كان باب الكهف ينظر إلى بنات نعش وعلى هذا كان أعلا الكهف مستوراً من المطر.
{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً } جمع يقظ بمعنى منتبه من النوم.
{ وَهُمْ رُقُودٌ } جملة حالية وقيل كانت أعينهم مفتحة فيحسبهم الرائي أنهم منتبهون والظاهر أن قوله: ونقلبهم خبر مستأنف وقيل إنما وقع الحسبان من جهة تقلبهم ولا سيما إذا كان من اليمين إلى الشمال ومن الشمال إلى اليمين وذات منصوب على الظرف وأصلها صفة للجهة كأنه قال جهة ذات اليمين والظاهر أن قوله: وكلبهم أريد به الحيوان المعروف الذي تبعهم والوصيد باب الكهف * قال الزمخشري: باسط ذراعيه حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل وحجج الفريقين مذكورة في علم النحو والخطاب في لو اطلعت لمن هو في قوله: وترى الشمس وتحسبهم إيقاظاً ومغنى لوليت أي أعرضت بوجهك عنهم ولوليتهم كشحك وانتصب فراراً على المصدر اما لفررت محذوفة واما لوليت لأنه بمعنى لفررت واما مفعولاً من أجله وانتصاب رعباً على أنه مفعول ثان.
{ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا } الآية الكاف للتشبيه والإِشارة بذلك قيل للمصدر المفهوم من فضربنا على آذانهم أي مثل جعلنا أنا متهم هذه المدة الطويلة جعلنا بعثهم آية واللام في ليتساءلوا للصيرورة والمآل لا للتعليل والقائل في قوله: كم لبثتم قيل كبيرهم وقيل صاحب نفقتهم وكم سؤال عن العدد والمعنى كم يوماً أقمتم نائمين والظاهر صدور الشك من المسئولين وقيل أو للتفصيل * قال بعضهم: لبثنا يوماً، وقال بعضهم بعض يوم والسائل أحس في خاطره طول نومهم ولذلك سأل قيل ناموا أول النهار واستيقظوا آخر النهار وجوابهم هذا مبني على غلبة الظن والقول بالظن الغالب لا يعد كذباً ولما عرض لهم الشك في الاخبار ردوا علم لبثهم إلى الله تعالى ولما انتبهوا من نومهم أخذهم ما يأخذ من نام طويلاً من الحاجة إلى الطعام واتصل فابعثوا بحديث التساؤل كأنهم قالوا: خذوا فيما يهمكم ودعوا علم ذلك إلى الله تعالى والمبعوث قيل هو تمليخاً وكانوا قد استصحبوا حين خرجوا دارهم لنفقتهم وكانت حاضرة عندهم فلهذا أشاروا إليها بقولهم: هذه والمدينة هي مدينتهم التي خرجوا منها.
{ وَلْيَتَلَطَّفْ } في اختفائه وتخيله مدخلاً ومخرجاً.
{ وَلاَ يُشْعِرَنَّ } أي لا يفعل ما يؤذي من غير قصد منه إلى الشعور منا سمي ذلك إشعاراً منه بهم لأنه سبب فيه والجملة في موضع نصب بفلينظر معلق عنها الفعل بأيها استفهام مبتدأ وأزكى خبره ويجوز أن يكون أيها موصولاً مبنياً مفعولاً بينظر على مذهب سيبويه وأزكى خبر مبتدأ محذوف وطعاماً تمييز وأزكى قال يمان بن رياب: أرخص والضمير في أنهم عائد على ما دل عليه المعنى من كفار تلك المدينة والظهور هنا الاطلاع والعلم بمكانهم والظاهر أنه الرجم بالحجارة أو يعيدوكم في ملتهم يدخولكم فيها مكرهين ولا يلزم من العود إلى الشىء التلبس به.
{ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ } إن دخلتم في دينهم.
{ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } الآية قبل هذا الكلام جمل محذوفة التقدير فبعثوا أحدهم ونظر أيها أزكى طعاماً وتلطف ولم يشعر بهم أحداً فاطلع الله تعالى أهل المدينة على حالهم وقصة ذهابه إلى المدينة وما جرى له مع أهلها وحمله إلى الملك وادعائهم عليه أنه أصاب كنزاً من كنوز الأقدمين وحمل الملك ومن ذهب إليهم مذكور في التفاسير وأعثرنا عليهم وتقدم الكلام في أعثرنا في قوله: فإِن عثر ومفعول أعثرنا محذوف تقديره أعثرناهم عليهم والضمير في ليعلموا عائد على مفعول أعثرنا ووعد الله هو البعث لأن حالهم في نومهم وانتباههم بعد المدة المتطاولة كمال من يموت ثم يبعث.
و{ لاَ رَيْبَ فِيهَا } أي لا شك ولا ارتياب في قيامها والمجازاة فيها وكان الذين أعثروا على أهل الكهف قد دخلتهم فتنة في أمر الحشر وبعث الأجساد من القبور فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا: يحشر الأرواح فشق ذلك على ملكهم وبقي حيران لا يدري كيف يبين أمره لهم حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله تعالى في حجة وبيان فأعثر الله على أهل الكهف فلما بعثهم الله وتبين للناس أمرهم سر الملك بذلك ورجع من كان في شك من بعث الأجساد إلى اليقين وإلى هذا وقعت الإِشارة بقوله: إذ يتنازعون بينهم أمرهم وإذ معمولة لأعثرنا أو ليعلموا والظاهر أن سيقولون عائد على من تقدم ذكرهم وهم المتنازعون في حديثهم قبل ظهورهم عليهم فأخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما كان من اختلاف قومهم في عددهم وانتصب رجماً على أنه مصدر لفعل مضمر أي يرجمون بذلك وثلاثة خبر مبتدأ محذوف والجملة بعده صفة أي هم ثلاثة أشخاص.
{ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } إسم فاعل أضيف إلى الضمير والمعنى أنه ربعهم أي جعلهم أربعة وصيرهم إلى هذا العدد والكلام في قوله: خمسة وسادسهم كالكلام فيما تقدم والواو في وثامنهم للعطف على الجملة السابقة أي يقولون هم سبعة وثامنهم كلبهم ثم أخبر وإخباراً ثانياً أن ثامنهم كلبهم فيهما جملتان * وقال الزمخشري: فإِن قلت فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة ولم دخلت عليها دون الأولين قلت هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما يدخل على الواقعة حالاً عن المعرفة في نحو قولك جاءني رجل ومعه آخر ومررت بزيد وفي يده سيف ومنه قوله: جل وعلا
{ { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [الحجر: 4] وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر وهي الواو التي أديت بالذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوا عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجعوا بالظن كما غيرهم "انتهى". وكون الواو تدخل على الجملة الواقعة صفة دالة على لصوق الصفة بالموصوف وعلى ثبوت اتصاله بها شىء لا يعرفه النحويون بل قرروا أنه لا تعطف الصفة التي ليست بجملة على صفة أخرى إلا إذا اختلفت المعاني حتى يكون العطف دالاً على المغايرة فأما إذا لم يختلف فلا يجوز العطف على هذا في الأسماء المقدرة وأما الجمل التي تقع صفة فهي أبعد من أن يجوز ذلك فيها ولما أخبر تعالى عن مقالتهم واضطرابهم في عددهم أمره أن يقول ربي أعلم بعدتهم أي لا يخبر بعددهم إلا من بعلمهم حقيقة وهو الله ما يعلمهم إلا قليل والمثبت في حق الله تعالى الأعلمية وفي حق القليل العالمية فلا تعارض ثم نهاه عن الجدال فيهم أي في عدتهم والمراء وسمي مراجعته لهم مراء على سبيل المقابلة لمماراة أهل الكتاب له في ذلك وقيده بقوله: ظاهراً، أي غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم ما أوحي إليك فحسب من غير تجهيل ولا تعنيف كما قال تعالى: { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125] ثم نهاه أن يسأل أحداً من أهل الكتاب عن قصتهم لا سؤال متعنت لأنه خلاف ما أمرت به من الجدال بالتي هي أحسن ولا سؤال مسترشد لأنه تعالى قد أرسلك بأن أوحى إليك قصتهم ثم نهاه أن يخبر بأنه يفعل في الزمن المستقبل شيئاً إلا ويقرن بمشيئته تعالى وتقدم في سبب النزول كونه لم يقل ذلك مقروناً بالمشيئة وإلا أن يشاء الله استثناء لا يمكن حمله على ظاهره لأنه يكون داخلاً تحت القول فيكون من المقول ولا ينهاه الله أن يقول: إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله لأنه كلام صحيح في نفسه لا يمكن أن ينهى عنه فاحتيج في تأويل هذا الظاهر إلى تقدير والظاهر أمره تعالى بذكر الله إذا عرض له النسيان والإِشارة بقوله لأقرب من هذا أي الشىء المنسي أي أذكر ربك عند نسيانه بأن تقول عسى أن يهديني ربي إلى شىء آخر بدل هذا المسس أقرب منه رشداً وأدنى خيراً.