التفاسير

< >
عرض

قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
١٤٤
وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٤٥
-البقرة

النهر الماد

{ قَدْ نَرَىٰ } أي قد رأينا. كقوله: { { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } [النور: 64]. أي: قد علم. ولقد نعلم: أي علمنا. وقد قيل: قد تصرف المضارع إلى الماضي "فقال" الزمخشري في قد نرى ربما نرى ومعناه كثرة الرؤية كقوله:

قد أترك القرن مصفراً أنامله*

"انتهى".
ورب على مذهب الجمهور لتقليل الشيء في نظيره أو في نفسه وتركيب قد مع المضارع لا تدل على الكثرة بل ان فهمت الكثرة فمن خارج. والكثرة هنا إنما فهمت من متعلق الرؤية، لأن من رفع بصره إلى السماء مرة واحدة لا يقال فيه: قلب بصره، وإنما يقال: قلب إذا ردد. فالكثرة فهمت من التقلب الذي هو مطاوع التقليب والوجه يراد به ظاهره كان يقلب وجهه في الدعاء إلى الله تعالى أن يحوله إلى قبلة مكة أو كني بالوجه عن البصر.
و{ فِي ٱلسَّمَآءِ } متعلق بتقلب. كقوله:
{ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } [آل عمران: 196]. ومن على حقيقتها أي في نواحي السماء وفي الكلام حال محذوفة والتقدير في السماء طالب قبلة غير التي كنت مستقبلها.
{ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ } جواب قسم مؤكد مضمون الجملة المقسم عليه، وجاء الوعد قبل الأمر لتفرح النفس بالاجابة، ثم بإِيجاز الوعد فيتوالى السرور مرتين ونكر القبلة لأنه لم يتقدم ما يقتضي العهد ووصفت بمرضية لتقرب من التعيين ومتعلق الرضا القلب وهو كان يؤثر ان تكون الكعبة وإن كان لم يصرح بذلك.
{ فَوَلِّ وَجْهَكَ } أي في استقبال الصلاة.
{ شَطْرَ } نحو المسجد الحرام. وفيه دليل على مراعاة جهة الكعبة لا عينها وأفرد أولاً بالأمر لأنه كان المنسوب إلى ذلك ثم أمرت أمته بذلك فكان حكمهم حكمه.
{ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } هم احبار اليهود ورؤساؤهم.
{ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } أي التوجه إلى المسجد الحرام هو الحق الذي فرضه الله على إبراهيم وذريته. وقرىء يعلمون بالتاء وبالياء.
{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ } تسلية للرسول عن متابعة أهل الكتاب له.
{ مَّا تَبِعُواْ } جواب للقسم المؤذنة به اللام وهو ماضي اللفظ مستقبل المعنى كقوله:
{ { وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا } [فاطر: 41]. أي ما يمسكهما وقوله: لظلوا أي ليظلنّ من بعده. وقال سيبويه: وقالوا لئن فعلت ما فعل بزيد ما هو فاعل. وما يفعل وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.
{ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } استئناف اخبار ببراءته عليه السلام من اتباع قبلتهم وأفرد قبلتهم وإن كانت تختلف قبلتاهم لاشتراكهما في البطلان.
{ وَمَا بَعْضُهُم } أي اليهود لا تتبع النصارى ولا النصارى تتبع اليهود.
{ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم } التعليق على المستحيل مستحيل كقوله:
{ { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ } [الأنبياء: 29] أو يكون المخاطب غيره من أمته. أي: ولئن اتبعت أيها السامع.
{ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } أي من الدلالات والآيات التي تفيد العلم إطلاقاً لاسم الأثر على المؤثر.
{ إِنَّكَ } جواب القسم التي تدل عليه لام ولئن.
و"إذن" هنا مؤكدة لجواب ارتبط بمتقدم ولا عمل لها إذا كانت مؤكدة.