التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٢٣٤
-البقرة

النهر الماد

{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } لما تقدم ذكر عدة الحيض واتصل الكلام إلى ذكر الرضاع وكان فيه وعلى الوارث مثل ذلك ذكر عدة الوفاة. وقرىء يتوفون مبنياً للفاعل ومبنياً للمفعول أي يتوفاهم الله أو يستوفون آجالهم، والذين: مبتدأ، وخبره مختلف في تقديره واختار ان يكون يتربصن وحذف ما يحصل به الربط وهو مجرور أي يتربصن لوفاتهم ودل عليه يتوفون. "وأزواجاً" ظاهر في كل زوجة توفي عنها بعلها من أمة كتابية وغيرهما. والتربص هنا: الصبر على التزويج. وإذا كان المعدود مذكراً وحذف فالأكثر ارتباط التاء ويجوز حذفها. ومنه قول العرب: ضمناً من الشهر خمساً، وما ورد في الحديث: ثم اتبعه بست من شوال، يريد خمسة وستة وحسن ذلك في قوله: وعشراً لأنه كالفاصلة ومقطع الجملة. وقال الزمخشري: وقيل عشراً ذهاباً الى الليالي والأيام داخلة معها ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين الى الأيام تقول: صمت عشراً ولو ذكرت خرجت من كلامهم ومن البين فيه أن لبثتم إلا عشراً ان لبثتم إلا يوماً. "انتهى". ولا يحتاج إلى تأويل عشراً بانها ليال لأجل حذف التاء ولا إلى تأويلها بعدد كما ذهب إليه المبرد بل الذي نقل أصحابنا أنه إذا كان المعدود مذكراً وحذفته فلك فيه وجهان أحدهما وهو الأصل أن تبقى العدد على ما كان عليه ولم تحذف المعدود فتقول: صمت خمسة، تريد خمسة أيام. قالوا: وهو الفصيح. قالوا: ويجوز ان تحذف منه كله تاء التأنيث، وحكى الكسائي عن أبي الجراح: صمنا من الشهر خمساً، ومعلوم ان الذي يصام من الشهر إنما هي الأيام واليوم مذكر وكذلك قوله:

وإلا فسيرى مثل ما سار راكب تيمم خمساً ليس في سيره أمَم

يريد خمسة أيام. وعلى ذلك ما جاء في الحديث ثم اتبعه بست من شوال وإذا تقرر هذا فجاء قوله: وعشراً على أحد الجائزين وحسّنه هنا أنه مقطع كلامه، فهو مشبه بالفواصل فقوله: ولو ذكرت لخرجت كما حسن قوله: { { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } [طه: 103] كونه فاصلة، فلذلك اختير مجيء هذا على أحد الجائزين. من كلامهم ليس كما ذكر بل لو ذكر لكان أتى على الكثير الذي نصوا على أنه الفصيح إذ حاله عندهم محذوفاً كحالة مثبتاً في الفصيح وجوزوا الذي ذكره الزمخشري على أن غيره أكثر منه. وقوله: ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه، ليس كما ذكر بل استعمال التذكير هو الكثير الفصيح كما ذكرنا. وقوله: ومن البين فيه إن لبثتم إلا عشراً قد بينا مجيء هذا على الجائز فيه وإن محسن ذلك إنما هو كونه فاصلة، وقوله: { { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } [طه: 104] فائدة ذكر الزمخشري هذا أنه على زعمه أراد الليالي والأيام داخلة معها، فأتى بقوله: إلا يوماً، للدلالة على ذلك. وهذا يدل عندنا على أن قوله: عشراً، إنما يريد بها الأيام لأنهم اختلفوا في مدة اللبث، فقال قوم: عشر، وقال أمثلهم طريقة يوم. فقوله: إلا يوماً مقابل لقولهم: إلا عشراً، ومبين أنه أريد بالعشر الأيام إذ ليس من التقابل أن يقول بعضهم: عشر ليالي، ويقول بعض: يوماً والأشهر بالأهلية. وهذه الآية ناسخة للاعتداد بالحول وعمومها معارض لعموم وأدلات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن والسنة الثابتة بينت أن عدة الحامل بوضع حملها سواء كانت متوفي عنها زوجها أم غير ذلك.
{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي انقضاء هذه المدة المضروبة في التربص.
{ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } خطاب للأولياء ومن يقوم مقامهم من الحكام.
{ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ } أي من التزويج والتهيؤ له.
{ بِٱلْمَعْرُوفِ } بالوجه الذي ينكره الشرع.