التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٢٥٠
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
٢٥١
تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٢٥٢
تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
٢٥٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢٥٤
-البقرة

النهر الماد

{ وَلَمَّا بَرَزُواْ } أي صاروا بالبراز من الأرض، وهو ما ظهر واستوى منها. والمبارزة في الحرب أن يظهر كل قرن لصاحبه بحيث يراه.
{ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً } سألوا أن يصب عليهم الصبر حتى يكون مستعلياً عليهم.
{ وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } أي أرسخها حتى لا تفر.
{ وَٱنْصُرْنَا } أي أعنا واظفرنا.
{ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } أتوا بالوصف المقتضى لخذلان أعدائهم.
{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي بتمكينه والعزيمة قد تكون بعد التحام القتال وقد تكون غلبة خوف المنهزم دون التحام.
{ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } لم يبين تعالى كيفية القتل وداود هو ابن أنيسّا.
{ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } أي ملك طالوت.
{ وَٱلْحِكْمَةَ } وهي وضع الأمور مواضعها من الصواب ولما مات شمويل وطالوت جمع الله لداود الملك والنبوة. وقيل: وهي الحكمة.
{ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } أي مما يشاء أن يعلمه تعالى وما مبهم.
وقد علمه صنعة الدروع وفهم منطق الطير وانزل عليه الزبور.
{ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ }. المدفوع بهم المؤمنون والمدفوعون الكفار وفساد الأرض بقتل المؤمنين وتخريب المساجد وتطبيق الأرض بالكفر، ولكنه تعالى لا يخلي الأرض من قائم بالحق. وقرىء دفع الله مصدر دفع ودفاع مصدر دفع نحو كتب كتاباً أو مصدر دافع فمعنى المجرد وهو مضاف إلى الفاعل وبعضهم بدل من الناس بدل بعض من كل، والباء في ببعض تتعلق بالمصدر وهي للتعدية، واصل التعدية بالباء إنما هو في الفعل اللازم، نحو: لذهب بسمعهم. فأما ما يتعدى فالأصل إذا عدّي إلى ثان أن يعدى بالهمزة، نحو: طعم زيد اللحم، وأطعمت زيداً اللحم، ولا ينقاس التعدية بالباء فيما يتعدى إلى واحد فتعديه بها ومما جاء من ذلك قولهم: صك الحجر الحجر ثم إذا عديته إلى ثان قلت صككت الحجر بالحجر أي جعلته. يصكه، وقالوا: صككت الحجرين أحدهما بالآخر. واسند الفساد إلى الأرض بالخراب وتعطيل المنافع، أو المراد أهل الأرض فيكون على حذف المضاف.
{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } جاء بلفظ العالمين ليشمل المدفوع [بهم والمدفوع] إذ المدفوع لم يبلغ ما كان يؤمل من مقاصده التي تؤول إلى فساد الأرض فاستدرك أنه تعالى ذو فضل عليه، محسن إليه، واندرج في عموم العالمين. وكأنه لما لم يبلغ مقاصده أنكر فضل الله عليه فجاء فاستدرك لهذا المعنى، وعلى تتعلق بفضل وربما حذفت على، تقول: فضلت فلاناً، أي على فلان فإِذا ضعف الفعل لزمته على.
{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ } تلك إشارة إلى الآيات التي تقدمت في القصص السابقة من خروج أولئك الفارين من الموت إلى ما تلاه تعالى مما ذكر بعدهم.
{ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أكد بأن وباللام حيث أخبر بهذه الآيات من غير قراءة كتاب ولا مدارسة أخبار ولا سماع أخبار لما ذكر اصطفاء طالوت على بني إسرائيل وتفضيل داود عليهم وخاطب رسوله بأنه من المرسلين.
بين أن المرسلين يتفاضلون أيضاً فقال تعالى:
{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } أي الذين تقدموا وتلك الرسل مبتدأ وخبر وفضلنا جملة حالية، أو الرسل صفة لتلك، وفضلنا الخبر، وأشار بتلك للبعيد الذي بينه عليه السلام وبينهم من الزمان، وعامل جمع التكسير معاملة الواحدة المؤنثة وفي فضلنا التفات.
{ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } قرىء بالرفع، ففي كلم ضمير نصب حذف عائد على الموصول أي من كلمه الله وبالنصب ففي كلم ضمير مرفوع يعود على من. وقرىء كالم. وبالنصب أي كالم هو الله وبدأ في التفضيل بالكلام إذ هو أشرف تفضيل، إذ جعله محلاً لخطابه ودخل تحت من آدم وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
{ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } هو محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بعث إلى الناس كافة وأمته أعظم الأمم وختم به باب النبوة إلى ما آتاه الله تعالى.
{ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } تقدم تفسيره.
{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } قيل هنا محذوف تقديره فاختلف أممهم واقتتلوا أي ولو شاء الله أن لا يقتتلوا ما اقتتلوا.
ومعنى: { مِن بَعْدِهِم } من بعد كل نبي.
{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } توكيد للجملة السابقة.
{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } أي إرادته هي المؤثرة لا إرادة غيره.
{ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم } عامة في كل صدقة واجبة أو تطوع من جهاد وغيره ولما قسّم في قوله فمنهم من آمن ومنهم من كفر أقبل على المؤمنين بندائهم وخطابهم تشريفاً لهم.
{ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ } هذا تحذير من الامساك قبل أن يأتي يوم القيامة.
{ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } يستفاد بتحصيله الفداء من النار.
{ وَلاَ خُلَّةٌ } أي ولا صداقة تقتضي المساهمة.
{ وَلاَ شَفَاعَةٌ } تنجي الكافر من عذاب الله. وقرىء بفتح الثلاثة من غير تنوين وبرفعها والتنوين.
{ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } هم: فصل، أو: مبتدا.