التفاسير

< >
عرض

لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٥٦
ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٥٧
-البقرة

النهر الماد

كان بعض أولاد الأنصار قد تنصّر وبعضهم قد تهود وأراد آباؤهم أن يكرهوهم على الاسلام فنزل:
{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } أي هو من وضوح الدلائل والحجج بحيث لا يكون فيه إكراه بل يجب الدخول فيه بانشراح صدر واختيار.
{ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ } أي الايمان من الكفر. والدين هنا معتقد الاسلام. وقرىء بسكون الشين وبضمها وبفتح الراء والشين وقرىء كذلك وبألف بعد الشين. وقرىء بإِدغام دال قد في تاء تبين. وقرىء إظهارها شاذا. وهذه الجملة كالعلة لانتفاء الاكراه في الدين لأن استنارة الدلائل تحمل على الدخول في الدين طوعاً من غير إكراه.
{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ } فسر بالشيطان وهو مقلوب أصله طغووت من طغا فقلب، جعلت اللام مكان العين فصار طوغوت، فقلبت الواو ألفاً لانفتاح ما قبلها وتحركها هي فصار طاغوت ومذهب سيبويه أنه اسم مفرد كأنه اسم جنس يقع للواحد كقوله:
{ { وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } [النساء: 60]، وللجمع كقوله: يخرجونهم من النور إلى الظلمات. وزعم أبو العباس أنه جمع، وأبو علي أنه مصدر كرهبوت. وقدم ذكر الكفر بالطاغوت على الإِيمان بالله ليظهر الاهتمام بوجوب الكفر بالطاغوت ولتقدم الكفر بالطاغوت على الإِيمان بالله تعالى والكفر بها رفضها ورفض عبادتها ولاتصاله بلفظ الغي.
{ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ } أبرز الجواب في صورة الماضي المقرون بعد الدآلّ في الماضي على تحقيقه وان كان مستقبلاً في المعنى إشعاراً بأنه مما وقع استمساكه وثبت وذلك للمبالغة في ترتب الجواب على الشرط وانه كائن لا محالة وجعل ما تمسك به عروة وهي في الاجرام موضع الامساك وشد الأيدي والتعلق ومثل الايمان بالعروة ورشح ذلك بقوله:
{ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } أي لا انكسار ولا انقطاع. وجملة النفي حال أو مستأنفة.
{ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الولي المحب المتولي أمر من يحب والاخراج هنا ان كان حقيقة فاختص بمن كان كافراً ثم أسلم وإن كان مجازاً فهو منع الله إياهم من دخولهم في الظلمات، والظلمات والنور كناية عن الكفر والإِيمان.
{ مِّنَ ٱلنُّورِ } أي من الإِيمان وذلك فيمن آمن ثم كفر. وقرىء الطواغيت بالجمع وجوزوا أن يكون يخرجهم ويخرجونهم حالاً أو خبراً ثانياً ويظهر أن يكون تفسيراً للولاية.
ولما ذكر أنه تعالى ولي الذين آمنوا وإن الطاغوت وليُ الكفار أعقب بهذه القصة مثلاً للمؤمن والكافر والذي حاج في إبراهيم هو نمرود بن كنعان بن كوسى بن سام ابن نوح عليه السلام ملك زمانه وصاحب النار والبعوضة. قال مجاهد: ملك الدنيا مؤمنان سليمان وذو القرنين، وكافران نمرود وبخت نصّر. وفي نسب النمرود اختلاف، ومعنى حاج: عارض حجته بمثلها.