التفاسير

< >
عرض

يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ
٤٠
وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ
٤١
-البقرة

النهر الماد

"إسرائيل" اسم أعجمي ممنوع من الصرف وهو مركب، قيل: من اسرا: وهو العبد، وآيل: اسم الله تعالى. وعن من قال باشتقاقه أقوال وفي كيفية النطق به لغات إسرائيل واسراييل واسراءل واسرأل وتقول في جمعه اساريل وحكي اسارل وأسار له وأقبل عليهم بالنداء هزالهم لسماع ما يلقى إليهم وهم اليهود والنصارى وهذا أول افتتاح الكلام معهم. والذكر باللسان وبضم الذال ما كان بالقلب وإضافتهم إلى إسرائيل وهو يعقوب على نبينا وعليه السلام تنبيه لهم على اتباعه في الخير. والنعمة: اسم للشيء المنعم به فالنداء والأمر لبني إسرائيل الذين هم بحضرته عليه السلام بالمدينة وما والاها ويتنزل غيرهم في ذلك منزلتهم والوصف بالتي { أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } مشعر بسبق علمهم، إياها وتعظيم لها إذ اسندها إلى ذاته في قوله: نعمتي وأنعمت ونعمه تعالى عليهم كثيرة وأعظمها الكتاب الالهي من التوراة والانجيل المبشرة بنوبة محمد صلى الله عليه وسلم.
{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } يقال أوفى ووفّى ووفى والعهد هو ما كانوا يذكرون من إيمانهم بالرسول المبعوث في زمانهم إذ كانوا يستفتحون به كما أخبر تعالى فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.
{ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } وهو ترتيب إنجاز ما وعدهم على ذلك، الإِيفاء سماه عهداً على سبيل المقابلة أبرزه في صورة المشروط الملتزم به والمصدران مضافان للمفعول. وقرىء أوفّ من وفي مشدّداً وانجزم أوف على جواب الأمر وهل ضمّن الأمر معنى الشرط فانجزم أو نابت عن الشرط إن حذفت جملته قولان. والرهب الخوف وانتصب إياي بفعل محذوف تقديره وإياي ارهبوا وقدره السجاوندي قبله قال وارهبوا إياي وهو وهم منه لانفصال الضمير وناسب النصب لأن قبله أمر ولأنه آكد إذا برز في قالب جملتين.
قال الزمخشري: وهو أوكد في إفادة الاختصاص من إياك نعبد. وتقدم كلامنا معه في دعوى الاختصاص إذا تقدم المعمول على العامل والفاء في فارهبون دخلت في جواب أمر مقدر التقدير تنبّهوا فارهبون. وقرىء فارهبوني بإِثبات الياء وهو الأصل.
وآمنوا أمر لبني إسرائيل إذ هم المأمورون قيل ولا يخص كعب بن الأشرف وأصحابه علماء اليهود.
{ بِمَآ أَنزَلْتُ } وهو القرآن.
{ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } أي من التوراة واللام في لما مقوية للتعدية ومصدقاً حال مؤكدة وذو الحال الضمير المحذوف العائد وقيل ما.
{ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ }: لا مفهوم هنا لقوله أوّل فيكون قد أبيح لهم ثانياً وآخراً فمفهوم الصفة غير مراد وإنما ذكرت الأولية لأنها أفحش لما فيها من الابتداء بالكفر ونظيره قول الشاعر:

من أناس ليس في أخلاقهم عاجل الفحش ولا سوء جزع

فعاجل لا مفهوم له وأضيف أول إلى المفرد وإن كان قبله جمع لأن المفرد إذ كان صفة جاز أن يطابق وأن يفرد وقد جاء ذلك في قوله:
وإذ طعموهم فالأم طاعم وإذا هم جاعوا فشر جياع. أفرد في طاعم وطابق في جياع وتأوله النحاة فقدره الفراء الأم من طعم وقدره غيره إلام فريق طاعم وهنا يتقدر على قول الفراء أول من كفر. وعلى قول غيره: أول حزب كافر وبه عائد على المنزل.
{ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً } الشراء هنا مجاز يراد به الاستبدال ولذلك دخلت الباء على الآيات وإن كان القياس أن تدخل على الثمن والمعنى بتغيير آياتي ووضعكم مكانها غيرها كما قال تعالى:
{ { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ } [البقرة: 79] الآية وآياته ما أنزل الله تعالى من الكتب الإِلهية المحتوية على التكاليف والمعنى. والله أعلم. ولا تستبدلوا بآياتي العظيمة أشياء حقيرة خسيسة ولا مفهوم لقوله قليلاً بل في ذلك التنبيه على خساسة أنفسهم إذ تبدلون الشيء العظيم في تحصيل الشيء الحقير من مطعم أو مشرب أو غير ذلك أو لأن ما حصل عن آيات الله كائناً ما كان هو قليل حقير.
{ وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ } الكلام على هذا إعراباً فالكلام على وإياي فارهبون والفرق بين الفاصلتين أن ترك ذكر النعمة والإِيفاء بالعهد ظاهره أنه من المعاصي التي تجوز العقاب إذ يجوز أن يقع العفو عن ذلك وترك الإِيمان بما أنزل الله تعالى والاشتراء بآيات الله الثمن اليسير من المعاصي التي تحتم العقاب وتعيّنه إذ لا يجوز أن يقع العفو عن ذلك فلذلك ختم تلك بالرهبة وهي الخوف وهذه باتخاذ الوقاية من النار.