التفاسير

< >
عرض

أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٤٤
وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ
٤٥
ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ
٤٦
-البقرة

النهر الماد

{ أَتَأْمُرُونَ } استفهام توبيخ وتقريع والبر فعل الخير من صلة رحم وإحسان وطاعة لله تعالى نعى عليهم أمر { ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ } الذي في فعله النجاة الأبدية وتركهم فعله حتى صار نسياً منسياً.
و{ أَنْفُسَكُمْ } هي ذواتهم.
{ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ } وأنتم قارئون وعالمون بما انطوى عليه فكيف امتثلتموه بالنسبة إلى غيركم وخالفتموه أنتم.
وفي و{ أَنْتُمْ تَتْلُونَ } تبكيت عظيم وهي جملة حالية أبلغ من المفرد.
و{ ٱلْكِتَٰبَ } التوراة والإِنجيل وفيهما النهي عن هذا الوصف الذميم.
{ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } تنبيه على أن ما صدر منهم خارج عن أفعال العقلاء ومركوز في العقل أن الإِنسان إذا لم يحصل مصلحة لنفسه فكيف يحصلها لغيره ولا سيما مصلحة تكون فيها نجاته، والفاء: للعطف كان الأصل تقديمها لكن الهمزة لها صدر الكلام فقدمت على الفاء هذا مذهب سيبويه، وذهب الزمخشري إلى أن الفاء واقعة موقعها ويقدر بين الهمزة والفاء فعلاً محذوفاً يصح العطف بالفاء عليه وحكم الواو وثم حكم الفاء في نحو: أو لم يسيروا أثم إذا ما وقع. وقد رجع الزمخشري في بعض تصانيفه إلى قول الجماعة.
{ وَٱسْتَعِينُواْ } اطلبوا المعونة
{ بِٱلصَّبْرِ } وهو حبس النفس على ما تكره وقدمت الاستعانة بالصبر لتقدم تكاليف عظيمة يشق التزامها على من لم يألفها.
و"ثنى" بـ "الصلاة" اذْ هي عمود الاسلام وبها يتميز المسلم من غيره ويحصل بها الاشتغال عن الدنيا وتطلع بالتلاوة على الوعد والوعيد وناهيك من عبادة يناجي ربه فيها خمس مرات في اليوم والليلة يناجي ربه ويستغفر ذنبه.
{ وَإِنَّهَا } أي الصلاة. وقيل: الاستعانة.
{ لَكَبِيرَةٌ } شاقة كبر على المشركين ما تدعوهم إليه أي شق.
{ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } استثناء مفرع أي الكبيرة على كل شخص لانطوائها على أوصاف هم يتحلون بها كخشوعهم من القيام لله والركوع والسجود له والرجاء لما عنده إذ مآلهم إلى السعادة فسهل عليهم ما صعب على غيرهم من المنافقين والمرائين.
{ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم } يوقنون والظن بمعنى اليقين أو الترجيح مشهور عن العرب. ويتعدى في الدلالتين إلى مفعولين وتسدان مسدهما ولا يحتاج إلى تقدير ثان محذوف كما ذهب إليه الأخفش والمبرد.
{ مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ } فاعل بمعنى المجرد ومن حيث الوضع يقتضي المشاركة لأن من لقيك فقد لقيته والمعنى والله أعلم ملاقوا جزاء ربهم. وقيل: كني بالملاقاة عن رؤية الله تعالى. وقيل: عن انقضاء آجالهم من مات فقد لقي. الله عز وجل غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه. وقيل: ملاقوا اثواب ربهم وعقابه. فعلى هذا يكون الظن بمعنى الترجيح.
{ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ } أي إلى ربهم. { رَٰجِعُونَ } أي إلى أمره.