التفاسير

< >
عرض

وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ
٢٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
٢٥
وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ
٢٦
وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ
٢٧
لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ
٢٨
ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ
٢٩
ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ
٣٠
حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
٣١
ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ
٣٢
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ
٣٣
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ
٣٤
ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ
٣٥
وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٣٦
لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ
٣٧
إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ
٣٨
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ
٣٩
ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
٤٠
ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ
٤١
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ
٤٢
وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ
٤٣
وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
٤٤
فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ
٤٥
أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ
٤٦
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ
٤٧
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ
٤٨
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٤٩
فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٥٠
وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
٥١
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٥٢
لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
٥٣
وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٥٤
وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ
٥٥
ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٥٦
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيٰتِنَا فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٥٧
وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
٥٨
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ
٥٩
ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٦٠
ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
٦١
ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ
٦٢
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
٦٣
-الحج

النهر الماد

{ وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ } هذا اخبار عما يقع منهم في الآخرة وهو قولهم: { { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } [الزمر: 74] وما أشبه ذلك من محاورة أهل الجنة ويكون الصراط الطريق إلى الجنة * والظاهر أن الحميد وصف الله تعالى وناسب هذا الوصف لكثرة ما يحمده أهل الجنة.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ } الآية المضارع قد لا يلحظ فيه زمان معين من حال أو استقبال فيدل إذ ذاك على الاستمرار ومنه ويصدون عن سبيل الله كقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ آمَنُو } وتطمئن وهذه الآية، نزلت عام الحديبية حين صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام والظاهر أنه نفس المسجد وقيل الحرم كله ومن صد عن الوصول إليه فقد صد عنه وقرىء سواء بالنصب مفعول ثان لجعلنا فارتفع به العاكف وسواء أصله مصدر بمعنى مستو فعلى هذا يكون العاكف مبتدأ وفيه متعلق بالعاكف وسواء الخبر والجملة في موضع المفعول الثاني لجعلنا وخبر أن محذوف يدل عليه جزاء الشرط تقديره يجزون على كفرهم وصدهم بالعذاب الأليم ومفعول يرد بالحاء والباء زائدة والأحسن أن يضمن معنى يرد يلتبس فيتعدى بالباء والإِلحاد هو الميل عن القصد والظلم هو الشرك ولذلك رتب عليه العذاب الأليم * ولما ذكر تعالى حال الكفار وصدهم عن المسجد الحرام وتوعد من أراد فيه بإِلحاد ذكرهم حال أبيهم إبراهيم ووبخهم على سلوكهم غير طريقه من كفرهم باتخاذ الأصنام وامتنانه عليهم بإِيفاد العلم إليهم.
{ وَإِذْ بَوَّأْنَا } أي واذكر إذ بوأنا أي: جعلنا لإِبراهيم مكان البيت مباءة أي مرجعاً يرجع إليه للعمارة والعبادة.
{ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } خطاب لإِبراهيم صلى الله عليه وسلم وكذا ما بعده من الأمر وأن مصدرية وصلت بالنهي كما توصل بالأمر.
{ وَٱلْقَآئِمِينَ } هم المصلون ذكر من أركانها أعظمها وهو القيام والركوع والسجود.
{ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } أي ناد وروي أنه صعد أبا قبيس فقال: يا أيها الناس حجوا بيت ربكم.
{ يَأْتُوكَ } جواب الأمر والكاف في يأتوك خطاب لإِبراهيم صلى الله عليه وسلم جعل إتيان البيت إتياناً له صلى الله عليه وسلم لأنه المعلم بإِتيان الناس.
و{ رِجَالاً } جمع راجل وهو الماشي على قدميه.
{ وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } أي وركباناً على كل ضامر وهي الإِبل التي ضمرت أحشاؤها من طول السير والضمير في:
{ يَأْتِينَ } عائد على كل ضامر.
{ عَميِقٍ } البعيد وأصله البعد سفلاً يقال: بئر عميق أي بعيدة الغور والفعل عمق وعمق قال الشاعر:

إذا الخيل جاءت من فجاج عميقة يمد بها في السير أشعث شاحب

{ لِّيَشْهَدُواْ } متعلق بيأتوك ونكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنياوية لا توجد في غيرها من العبادات.
{ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } كني عن النحر والذبح بذكر اسم الله لأن أهل الإِسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه وإذا نحروا أو ذبحوا وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرب إلى الله أن يذكر اسمه عليه * والأيام المعلومات أيام العشر قاله ابن عباس وجماعة * وبهيمة الانعام تقدم الكلام عليها في المائدة.
{ فَكُلُواْ مِنْهَا } الظاهر وجوب الأكل والإِطعام وقيل باستحبابهما وقيل باستحباب الأكل ووجوب الإِطعام والبائس الذي أصابه بؤس أي شدّة.
{ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } والتفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعثه ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة حسب الحديث والنذور هنا ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم.
{ وَلْيَطَّوَّفُواْ } هذا طواف الإِفاضة وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج وبه تمام التحلل * والعتيق القديم كما قال تعالى:
{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } [آل عمران: 96] وقال الشاعر:

إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة معتقة مما يجيء به التجر

يعني بمعتقة أي قديمة.
{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } ذلك إشارة إلى الطواف وهو مبتدأ خبره محذوف تقديره تمام الحج والحرمات ما لا يحل هتكه وجميع التكليفات من مناسك الحج وغيرها حرمة وضمير فهو عائد على المصدر المفهوم من قوله: ومن يعظم أي فالتعظيم خير له عند ربه أي قربة منه وزيادة في طاعته يثيبه عليها والظاهر عمومه في جميع التكاليف والظاهر أن خيراً هنا ليس أفعل تفضيل.
{ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ } دفعاً لما كانت العرب تعتاده من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة ويعني بقوله:
{ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } ما نص في كتابه على تحريمه والمعنى إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه ولما حث على تعظيم حرمات الله وذكر أن تعظيمها خير لمعظمها عند الله أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور لأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات وجمعا في قرآن واحد لأن الشرك من أعظم الزور لأن المشرك يزعم أن الوثن يستحق العبادة فكأنه قال: فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور.
{ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } كله ومن في من الأوثان لبيان الجنس وتقدّر بالموصول عندهم أي الرجس الذي هو الأوثان.
{ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } شبه المشرك بأن صور حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعاً في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة.
{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } الآية ذلك مبتدأ خبره محذوف تقديره حال المشرك وتقدّم تفسير شعائر الله في أول المائدة وأما هنا فقال ابن عباس وجماعة هي البدن الهدايا وتعظيمها تسمينها والاهتبال بها والمغالاة فيها والضمير في فإِنها عائد على الشعائر على حذف مضاف أي فإِن تعظيمها * وأضاف التقوى إلى القلوب كما قال صلى الله عليه وسلم
"التقوى هاهنا وأشار إلى صدره" قال الزمخشري: فإِن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها لأنه لا بد من راجع إلى الجزاء إلى من ليرتبط به وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى الذي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء "انتهى" وما قدّره عار من راجع إلى الجزاء إلى من ألا ترى أن قوله: فإِن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب ليس في شىء منه ضمير يعود إلى من يربط جملة الجزاء بجملة الشرط الذي أداته من وإصلاح ما قاله أن يكون التقدير فإِن تعظيمها منه فيكون الضمير في منه عائداً إلى من فيرتبط الخبراء بالشرط فاعرفه * والضمير في فيها عائد على البدن والمنافع درها ونسلها وصوفها وركوب ظهرها.
{ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وهو أن يسمنها ويوجبها هدياً فليس له شىء من منافعها قاله ابن عباس:
{ ثُمَّ مَحِلُّهَآ } وثم للتراخي في الوقت فاستعيرت للتراخي في الأفعال ثم محلها.
{ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي وجوب نحرها أو وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت العتيق والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت.
{ مَنسَكاً } قال الفراء عيداً.
{ لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } معناه أمرناهم عند ذبائحهم بذكر الله وأن يكون الذبح له لأنه رازق ذلك ثم خرج إلى الحاضرين فقال:
{ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ } أي انقادوا وكما أن الإِله واحد يجب أن يخلص له في الذبيحة ولا يشرك فيها بغيره وتقدّم شرح الاخبات وناس تبشير من اتصف بالاجبات وناسب تبشير من اتصف بالاخبات هنا لأن أفعال الحج من نزع الثياب والتجرد من المخيط وكشف الرأس والتردّد في تلك المواضع المغبرة المحجرة والتلبس بأفعال شاقة لا يعلم معناها إلا الله مؤذن بالاستسلام المحض والتواضع المفرط حيث يخرج الإِنسان عن مألوفه إلى أفعال غريبة ولذلك وصفهم بالاخبات والوجل إذا ذكر الله والصبر على ما أصابهم من المشاق وإقامة الصلوات في مواضع لا يقيمها إلا المؤمنون المصطفون والانفاق مما رزقهم الله ومنها الهدايا التي يغالون فيها * وانتصب البدن على الاشتغال أي وجعلنا البدن وقرىء: بالرفع على الابتداء.
و{ لَكُمْ } أي لأجلكم من شعائر في موضع المفعول الثاني ومعنى من شعائر الله من أعلام الشريعة التي شرعها الله وأضافها إلى اسمه تعظيماً لها.
{ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } قاله ابن عباس: نفع في الدنيا وأجر في الآخرة وذكر اسم الله أن يقول عند النحر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك.
{ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } أي على نحرها معقولة.
{ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } عبارة عن سقوطها إلى الأرض بعد نحرها قال ابن عباس: القانع المستغني بما أعطيته والمقر المعترض من غير سؤال.
{ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } أي مثل ذلك التسخير سخرناها لكم تأخذونها منقادة منّ الله عليهم بذلك ولولا التسخير من الله لم نطق ذلك وكفى بالإِبل شاهداً وعبرة.
{ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } قال مجاهد: أراد المسلمون أن يفعلوا فعل المشركين من الذبح وتشريح اللحم حول الكعبة منصوباً ونضح حوالي الكعبة بالدم تقرباً إلى الله فنزلت هذه الآية وكرر تذكير النعم بالتسخير أي: لتشكروا الله على هدايته إياكم لإِعلام دينه ومناسك حجه بأن تهللوا وتكبروا، فاختصر الكلام بأن ضمن التكبير معنى الشكر وعدي تعديته.
{ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } ظاهر في العموم.
{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } روي أن المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنه من الكفار ويحتال ويغدر فنزلت إلى قوله: كفور وعرفها بالمدافعة ونهي عن الخيانة وخص المؤمنين بالدفع عنهم والنصرة لهم * ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة مما يفعل في الحج وكان المشركون قد صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وآذوا من كان بمكة من المؤمنين أنزل الله تعالى هذه الآيات مبشرة للمؤمنين بدفعه تعالى عنهم ومشيرة إلى نصرهم وآذنة لهم في القتال وتمكنهم في الأرض بردهم إلى ديارهم وفتح مكة وأن عاقبة الأمور راجعة إلى الله تعالى.
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } لما هاجر المؤمنون إلى المدينة أذن الله في القتال، وقرىء: أذن وأذن ويقاتلون بكسر التاء وفتحها.
{ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ } في موضع جر نعت للذين أو بدل أو في موضع نصب بأعني أو في موضع رفع إضمارهم.
و{ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ } استثناء منقطع، فإِن يقولوا في موضع نصب لأنه منقطع لا يمكن توجه العامل إليه فهو مقدر بلكن من حيث المعنى، لأنك لو قلت: الذين أخرجوا من ديارهم إلا أن يقولوا ربنا الله لم يصح، وقال الزمخشري: أن يقولوا في محل الجر على الإِبدال من حق أي: بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإِقرار والتمكين لا موجب الإِخراج والتسيير ومثله وهل تنقمون منا الآية "انتهى" اتبع الزمخشري في هذا الزجاج وما أجازاه من البدل لا يكون إلا إذا سبقه نفي أو نهى أو استفهام في معنى النفي نحو ما قام أحد إلا زيد ولا يضرب أحد إلا زيد وهل يضرب أحد إلا زيد وأما إذا كان الكلام موجباً أو أمراً فلا يجوز البدل لا يقال قام القوم إلا زيد على البدل ولا ليضرب القوم إلا زيد على البدل لأن البدل لا يكون إلا حيث يكون العامل يتسلط عليه ولو قلت قام إلا زيد وليضرب إلا عمر ولم يجز ولو قلت في غير القرآن أخرج الناس من ديارهم إلا بأن يقولوا: لا إله إلا الله لم يكن كلاماً هذا إذا تخيل أن يكون إلا أن يقولوا في موضع جر بدلاً من غير المضاف إلى حق وأما أن يكون بدلاً من حق كما نص عليه الزمخشري فهو في غاية الفساد لأنه يلزم منه أن يكون البدل يلي ضميراً فيصير التركيب بغير إلا أن يقولوا وهذا لا يصح ولو قدر إلا بغير كما يقدر في النفي في ما مررت بأحد إلا زيد فيجعله بدلاً لم يصح لأنه يصير التركيب بغير ضمير كقولهم: ربنا الله فتكون قد أضيفت غير إلى غير وهي هي فصار بغير غير ويصح في ما مررت بأحد إلا زيد أن تقول ما مررت بغير زيد ثم ان الزمخشري حين مثل البدل قدره بغير موجب سوى التوحيد وهذا التمثيل للصفة جعل إلا بمعنى سوى ويصح على الصفة فالتبس عليه باب الصفة بباب البدل ويجوز أن تقول: مررت بالقوم إلا زيد على الصفة لا على البدل.
{ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ } تقدّم الكلام عليه في البقرة * الهدم معروف * الصومعة موضع العبادة ووزنها فوعلة وهي بناء مرتفع منفرد حديد الأعلى والأصمع من الرجال الحديد القول فكانت قبل الإِسلام مختصة برهبان النصارى وبعباد الصائبين ثم استعمل في مئذنة المسلمين والأظهر في تعداد هذه المواضع أن ذلك بحسب متعبدات الأمم فالصوامع للرهبان وقيل للصابئين والبيع للنصارى والصلوات لليهود وهو على حذف مضاف أي ومواضع صلوات والمساجد للمسلمين وأخبر تعالى أنه قوي على نصرهم عزيز لا يغالب والظاهر عود الضمير في قوله: يذكر منها على المواضع جميعاً فيكون يذكر في موضع الصفة لها ويجوز أنيعود على قوله: ومساجد فيكون يذكر صفة للمساجد.
{ ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ } يجوز في إعرابه ما يجوز في إعراب الذين أخرجوا.
{ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } توعد للمخالف ما ترتب على التمكين.
{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ } فيها تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتكذيب من سبق من الأمم السالفة لأنبيائهم ووعيد لقريش إذ مثلهم بالأمم المكذبة المعذبة وأسند الفعل بعلامة التأنيث من حيث أراد الأمة والقبيلة وبني الفعل للمفعول في وكذب موسى لأن قومه لم يكذبوه إنما كذبه القبط.
{ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ } أي أمهلت لهم وأخرت عنهم العذاب مع علمي بفعلهم وفي قوله: فأمليت للكافرين، ترتيب الإِملاء على وصف الكفر فكذلك قريش أملى لهم الله تعالى ثم أخذهم في غزوة بدر وفتح مكة وغيرهما، والأخذ كناية عن العذاب والإِهلاك والنكير مصدر كالنذير المراد به المصدر والمعنى فكيف إنكاري عليهم وتبديل حالهم الحسنة بالسيئة وحياتهم بالإِهلاك ومعمورهم بالخراب وهذا استفهام يصحبه معنى التعجب كأنه قيل ما أشد ما كان إنكاري عليهم وفي الجملة إرهاب لقريش.
{ وَكَأَيِّن } للتكثير وتقدم الكلام عليها واحتمل أن يكون في موضع رفع الابتداء وفي موضع نصب على الاشتغال.
{ وَهِيَ ظَالِمَةٌ } جملة حالية.
{ فَهِيَ خَاوِيَةٌ } تقدم تفسيرها في البقرة * وقال الزمخشري: * فإِن قلث ما محل الجملتين من الإِعراب أعني وهي ظالمة فهو خاوية * قلت الأولى في محل نصب على الحال والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على أهلكناها وهذا الفعل ليس له محل "انتهى". وهذا الذي قاله ليس بجيد لأن وكأين الأجود في إعرابها أن تكون مبتدأة والخبر الجملة من قوله أهلكناها فهي في موضع رفع والمعطوف على الخبر خبر فيكون قوله: فهي خاوية في موضع رفع لكن يتجه قول الزمخشري على الوجه القليل وهو إعراب فكأين منصوباً بإِضمار فعل على الاشتغال فتكون الجملة من قوله: أهلكناها مفسرة لذلك الفعل وعلى هذا لا محل لهذه الجملة المفسرة فالمعطوف عليها لا محل له * وقرىء: وبئر بهمز وبغير همز * يقال عطلت البئر وأعطلتها فعطلت بفتح الطاء وعطلت المرأة من الحلى بكسر الطاء ووصف القصر بمشيد ولم يوصف بمشيد كما في بروج مشيدة لأن ذلك جمع ناسب التكثير فيه وهذا مفرد وأيضاً مشيد فاصلة آية وقال الشاعر:

وتيماء لم نترك بها جذع نخلة ولا اطما إلا مشيداً بجندل

وعطف وبئر وقصر على قوله: من قرية يدل على التكثير وثم بليدة عند البئر اسمها حاضورا بناها قوم صالح وأمروا عليهم جلهس بن جلاس وأقاموا بها زماناً وعبدوا صنماً فأرسل الله إليهم حنظلة بن صفوان وقيل اسمه شريح بن صفوان نبياً فقتلوه في السوق فأهلكهم الله عن آخرهم وسلط عليهم بخت نصر الذي تقدم ذكره في الأنبياء وعطف وبئر وقصر على قوله من قرية فدل على التكثير وقد عينت هذه البئر فعن ابن عباس أنها كانت لأهل عدن من اليمن وهي الرس وعن كعب الاحبار ان القصر بناه عاد الثاني وهو منذر بن عاد بن زم بن عاد وعن الضحاك وغيره ان البئر بحضرموت من أرض الشحر والقصر مشرف على قلة جبل لا يرتقى.
{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } الآية تقدم الكلام عليه وإسناد العقل إلى القلب يدل على أنه محله ولا ننكر أن للدماغ بالقلب اتصالاً يقتضي فساد العقل إذا فسد الدماغ ومتعلق يعقلون بها محذوف أي ما حل بالأمم السالفة حين كذبوا أنبياءهم وكذلك مفعول يسمعون أي يسمعون أخبار تلك الأمم الماضية والضمير في فإِنها ضمير القصة.
{ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ } وصفت القلوب بالتي في الصدور مبالغة كقوله: يقولون بأفواههم والضمير في ويستعجلونك لقريش وكان صلى الله عليه وسلم يحذرهم نقمات الله تعالى ويتوعدهم ذلك دنيا وآخره وهم لا يصدقون بذلك ويستبعدون وقوعه فكان استعجالهم على سبيل الاستهزاء وأن ما وعدتنا به لا يقع وأن لا بعث وفي قوله: ولن يخلف الله وعده أي أن ذلك واقع لا محالة لكن لوقوعه أجل لا يتعداه وأضاف الوعد إليه تعالى لأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو المخبر به عن الله تعالى وقيل التشبيه وقع في الطول للعذاب فيه والشدة أي وان يوماً من أيام عذاب الله لشدة العذاب فيه وطوله كألف سنة من عددكم إذ أيام الترحة مستطالة وأيام الفرحة مستقصرة وقرىء: تعدون بالتاء للخطاب والياء للغيبة وتكرر التكثير بكأين في القرى لإِفادة معنى ضمير ما جاءت له الأولى لأنه ذكر فيها القرى التي أهلكنا دون إملاء وتأخير بل أعقب الإِهلاك التذكير وهذه الآية لما كان تعالى قد أمهل قريشاً حتى استعجلت بالعذاب جاءت بالإِهلاك بعد الإِملاء تنبيهاً على أن قريشاً وان أملى تعالى لهم وأمهلهم فإِنه لا بد من عذابهم فلا يفرحوا بتأخير العذاب عنهم ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لأهل مكة يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين من عذاب الله موضح لكم ما تحذرون أو موضح النذارة لا تلجلج فيها وذكر النذارة دون البشارة وان كان التقسيم بعد ذلك يقتضيها لأن الحديث مسوق للمشركين ويا أيها الناس نداء لهم وهم المقول فيهم والسعي الطلب والاجتهاد في ذلك فيكون بإِصلاح وبإِفساد وقرىء: معاجزين ومعجزين فاما معاجزين فمعناه معاندين ومعجزين معناه مثبطين.
{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ } الآية، ذكر له تعالى مسلاة ثانية باعتبار من مضى من الرسل والأنبياء وهو أنهم كانوا حريصين على إيمان قومهم وأنه ما منهم أحد إلا وكان الشيطان يراغمه بتزيين الكفر لقومه وبث ذلك إليهم وإلقائه في نفوسهم كما أنه صلى الله عليه وسلم كان من أحرص الناس على هداية قومه وكان فيهم شياطين كالنضر بن الحارث يلقون لقومهم وللوافدين عليهم شبهاً يثبطون بها عن الاسلام ولذلك جاء قبل هذه الآية والذين سعوا في آياتنا معاجزين وسعيهم إلقاء الشبه في قلوب من استمالوه ونسب ذلك إلى الشيطان لأنه هو المغوي والمحرك شياطين الإِنس للإِغواء كما قال لأغوينهم وقيل ان الشياطين هنا هو جنس يراد به شياطين الإِنس والضمير في أمنيته عائد على الشياطين أي في أمنيته نفسه أي بسبب أمنية نفسه ومفعول ألقى محذوف لفهم المعنى وهو الشر والكفر ومخالفة ذلك الرسول أو النبي لأن الشيطان ليس يلقي الخير ومعنى:
{ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ } أي يزيل تلك الشبهة شيئاً فشيئاً حتى يسلم الناس كما قال تعالى:
{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } [النصر: 2].
{ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ } أي معجزاته يظهرها محكمة لا لبس فيها.
{ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ } من تلك الشبه وزخارف القول فتنة لمريض القلب ولقاسيه وليعلم من أوتي العلم أن ما تمنى الرسول والنبي من هداية قومه وإيمانهم هو الحق وهذه الآية ليس فيها إسناد شىء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تضمنت حالة من كان قبله من الرسل والأنبياء إذا تمنوا * وذكر المفسرون أشياء ذكرت فيه البحر.
{ مِن قَبْلِكَ } من لابتداء الغاية وفي.
{ مِن رَّسُولٍ } زائدة تفيد استغراق الجنس وهو مفعول تقديره رسولاً وعطف ولا نبي على من رسول دليل على المغايرة وتقدم الكلام عليها وحمل بعض المفسرين قوله: إذا تمنى على تلا وفي أمنيته أي في تمنيه ضلاله تابع الرسول أو النبي لتعارض الحق بالباطل * والمرية الشك * والظاهر أن الساعة يوم القيامة * واليوم العقيم يوم بدر وإنما وصف يوم الحرب بالعقم لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن * والتنوين في يومئذٍ تنوين العوض والجملة المعوض منها هذا التنوين هو الذي حذف بعد إلغائه أي الملك إذ تأتيهم الساعة.
{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } هذا ابتداء معنى آخر وذلك أنه لما مات عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد، قال بعض الناس: من قتل من المهاجرين أفضل ممن مات حتف أنفه فنزلت مسوية بينهم في أن الله يرزقهم زرقاً حسناً وظاهر والذين هاجروا العموم.
{ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً } لما ذكر الرزق ذكر المسكن وهو الجنة.
{ يَرْضَوْنَهُ } إذ فيه رضاهم كما قال تعالى:
{ لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [الكهف: 108].
{ ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ } قيل نزلت في قوم من المؤمنين لقيهم الكفار في الشهر الحرام فأبى المؤمنون من قتالهم وأبو المشركون إلا القتال فلما اقتتلوا جد المؤمنون ونصرهم الله ومناسبتها لما قبلها واضحة وهو أنه تعالى لما ذكر ثواب من هاجر وقتل أو مات في سبيل الله أخبر أنه لا يدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم.
{ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ } الآية تقدم الكلام عليه في أوائل آل عمران.
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } لما ذكر تعالى ما دل على قدرته الباهرة من إيلاج الليل في النهار وهما مرئيان مشاهدان مجيء الظلمة والنور ذكر أيضاً ما هو مشاهد من العالم العلوي والعالم السفلي وهو نزول المطر وإنبات الأرض ونسبة الإِنزال الأرض ونسبة الإِنزال إلى الله مدرك بالعقل وقوله:
{ فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً } قال سيبويه فيه: وسألته يعني الخليل عن ألم تر ان الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة فقال: هذا واجب وهو تنبيه كأنك قلت: أتسمع إنزال الله من السماء ماء فكان كذا ولابن عطية والزمخشري فيه كلام في البحر.